للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يقدح ذلك في عدالته بلا نزاع.

وقال -أيضا-: أكثر من يميز في العلم من المتوسطين، إذا نظر وتأمل أدلة الفريقين بقصد حسن ونظر تام، ترجح عنده أحدهما؛ لكن قد لا يثق بنظره، بل يحتمل أن عنده ما لا يعرف جوابه، والواجب على مثل هذا موافقته للقول الذي ترجح عنده بلا دعوى منه للاجتهاد، كالمجتهد في أعيان المفتين والأئمة إذا ترجح عنده أحدهما قلده، والدليل الخاص الذي يرجح به قول على قول أولى بالاتباع من دليل عام، على أن أحدهما أعلم أو أدين، لأن الحق واحد ولا بد، ويجب أن ينصب الله على الحكم دليلا ١. انتهى.

وقال الشيخ تقي الدين في بعض أجوبته*: قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"٢، ولازم ذلك أن من لم يفقهه في الدين لم يرد به خيرا؛ فيكون التفقه في الدين فرضا. والفقه في الدين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها السمعية، فمن لم يعرف ذلك لم يكن متفقها. لكن من الناس من قد يعجز عن الأدلة التفصيلية في جميع أموره، فيسقط عنه ما يعجز عن معرفته، ويلزمه ما يقدر عليه.

[تقليد القادر على الاستدلال]

وأما القادر على الاستدلال فقيل: يحرم عليه التقليد مطلقا. وقيل: يجوز مطلقا. وقيل: يجوز عند الحاجة، كما إذا ضاق الوقت عن الاستدلال. وهذا القول أعدل الأقوال.

والاجتهاد ليس هو أمرا واحدا لا يقبل التجزي والانقسام، بل قد يكون الرجل مجتهدا في فن أو باب أو مسألة دون فن وباب ومسألة؛ وكل أحد فاجتهاده بحسب وسعه. فمن نظر في


١ يعني أبو العباس أن نصب الدليل على الحكم ثابت في الشرع قطعًا، ولا يريد أنه واجب على الله -تعالى-؛ فإنه سني سلفي لا معتزلي.
* انظر مجموع الفتاوى (٢٠/ ٢١٢). [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
٢ البخاري: العلم (٧١) , ومسلم: الزكاة (١٠٣٧) , وابن ماجه: المقدمة (٢٢١) , وأحمد (٤/ ٩٣,٤/ ٩٥) , ومالك: الجامع (١٦٦٧) , والدارمي: المقدمة (٢٢٤,٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>