إن وجده، وإلا توخى ما عليه الأكثر، فيعمل بما قاله الجمهور، لا بما قاله الواحد منهم مخالفا الأكثر.
فقضية كلامه أن المقلد لا يخرج عن أقوال الأئمة الأربعة، بل يجتهد في أقوالهم، ويتوخى ما عليه أكثرهم، إلا أن يكون للواحد منهم دليل، فيأخذ بقول من كان الدليل معه، فيكون من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} ١.
وهذا من جنس ما أشرنا إليه فيما تقدم، من أن المقلد إذا كان نبيها، وله ملكة قوية، ونظر فيما تنازع فيه الأئمة الأربعة، وأمعن النظر في أدلتهم وتعليلاتهم، تبين له الراجح من المرجوح، وحينئذ فيعمل بما ترجح عنده أنه الصواب، ولا يخرج بذلك عن التقليد.
فإذا كان الرجل شافعيا أو حنبليا، ونظر في كتب الخلاف، ووجد دليلا صحيحا قد استدل به مالك فعمل بالدليل، كان هذا هو المناسب في حقه، فيجعل إماما بإزاء إمام، ويسلم له الدليل بلا معارض.
وليس هذا من الاجتهاد المطلق، بل هو من الاجتهاد المقيد، فهو يتبع الدليل، ويقلد الإمام الذي قد أخذ به.
وأما الأخذ بالدليل من غير نظر كلام العلماء فهو وظيفة المجتهد المطلق، وأما المقلد الذي لم يجتمع فيه الشروط، ففرضه التقليد وسؤال أهل العلم.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت أبي عن الرجل تكون عنده الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلاف الصحابة والتابعين، وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك، ولا الإسناد القوي من الضعيف، فيجوز أن يعمل بما شاء، ويتخير ما أحب منها، فيفتي به ويعمل به؟
قال: لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها، فيكون يعمل على أمر صحيح، يسأل عن ذلك أهل العلم. انتهى كلامه.