وأما إذا وجد الحديث قد عمل به بعض الأئمة المجتهدين، ولا يعلم عند غيره حجة يدفع بها الحديث فعمل به، كان قد عمل بالحديث، وقلد هذا الإمام المجتهد في تصحيحه وعدم ما يعارضه، فيكون متبعا للدليل غيرَ خارجٍ عن التقليد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-*: طالب العلم يمكنه معرفة الراجح من الكتب الكبار، التي يذكر فيها مسائل الخلاف، ويذكر فيها الراجح، مثل كتاب "التعليق" للقاضي أبي يعلى، و"الانتصار" لأبي الخطاب، و"عمل الأدلة" لابن عقيل، و"تعليق" القاضي يعقوب البرزيني وأبي الحسن الزاغوني.
ومما يعرف منه ذلك كتاب "المغني" للشيخ أبي محمد، وكتاب "شرح الهداية" لجدنا أبي البركات، ومن كان خبيرا بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح في مذهبه في عامة المسائل، ومن كان له بصر بالأدلة الشرعية عرف الراجح في الشرع.
وأحمد -رحمه الله- أعلم من غيره بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة -رضي الله عنهم-، والتابعين لهم بإحسان -رحمهم الله-؛ ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصا كما يوجد لغيره، ولا يوجد قول ضعيف -في الغالب- إلا وفي مذهبه ما يوافق القول القوي، وأكثر مفاريده التي لم يختلف فيها مذهبه يكون قوله فيها راجحا. انتهى كلامه -رحمه الله-.
وهو موافق لما ذكره صاحب "الإفصاح" من أن القاضي عليه أن يتوخى إصابة الحق، فيتوخى مواطن الاتفاق، فيعمل بما اتفقوا عليه، فإن لم يكن الحكم متفقا نظر فيما عليه الجمهور إذا لم يكن مع مخالفهم دليل، فليس الناظر في كتب الخلاف ومعرفة الأدلة بخارج عن التقليد. وليس في كلام صاحب "الإفصاح" ما يقتضي التمذهب بمذهب لا يخرج عنه، بل كلامه
* انظر مجموع الفتاوى (٢٠/ ٢٢٧). [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]