أو محرم بمجرد هواه، وذلك مثل أن يكون طالبا للشفعة بالجوار، فيعتقدها أنها حق، ويقول: مذهب أبي حنيفة في هذه المسألة أرجح من مذهب الجمهور. ثم إذا طلبت منه الشفعة بالجوار اعتقد أنها ليست ثابتة، وقال: مذهب الجمهور في هذه المسألة أرجح.
ومثل من يعتقد إذا كان أخا مع جد أن الإخوة تقاسم الجد -كما هو مذهب الأئمة الثلاثة- فإذا كان جدا مع أخ اعتقد أن الجد يسقط الإخوة كما هو مذهب أبي حنيفة، فهذا ونحوه لا يجوز، وصاحبه مذموم، بل يجب عليه أن يعتقد الحق فيما له وعليه، ولا يتبع هواه، ولا يتبع الرخص، فمتبع الرخص مذموم، والمتعصب للمذهب مذموم، وكلاهما متبعٌ هواه.
المتعصبون لمذاهب الأئمة يأخذون من الأدنى دون الأعلى
والمتعصبون لمذاهب الأئمة تجدهم -في أكثر المسائل- قد خالفوا نصوص أئمتهم، واتبعوا أقوال المتأخرين من أهل مذهبهم، فهم يحرصون على ما قاله الآخر فالآخر، وكلما تأخر الرجل أخذوا بكلامه، وهجروا -أو كادوا- يهجرون كلام من فوقه.
فأهل كل عصر إنما يقضون بقول الأدنى فالأدنى إليهم، وكلما بعد العهد ازداد كلام المتقدمين هجرا ورغبة عنه، حتى إنَّ كُتب المتقدمين لا تكاد توجد عندهم، فإن وقعت في أيديهم فهي مهجورة.
فالحنابلة قد اعتمدوا على ما في "الإقناع" و"المنتهى"، ولا ينظرون فيما سواهما، ومن خالف مذهب المتأخرين فهو عندهم مخالف لمذهب أحمد -رحمه الله-، مع أن كثيرا من المسائل التي جزم بها المتأخرون مخالفة لنصوص أحمد، يعرف ذلك من عرفه.
وتجد كتب المتقدمين من أصحاب أحمد مهجورة عندهم، بل قد هجروا كتب المتأخرين، فـ"المغني" و"الشرح" و"الإنصاف" و"الفروع"، ونحو هذه الكتب التي يذكر فيها أهلها خلاف الأئمة أو خلاف الأصحاب