للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينكرها جميع القدرية، يقولون: إن الله لم يخلق أفعال العباد، ولا شاءها منهم، بل هم الذين يخلقون أفعال أنفسهم من خير وشر، وطاعة ومعصية.

والدرجة الأولى نفاها غلاة القدرية: كمعبد الجهني، وعمرو بن عبيد؛ ونص أحمد والشافعي على كفر هؤلاء.

[القول بأن الله لم يخلق أعمال العباد ولم يشأها]

وأما من قال: إن الله لم يخلق أعمال العباد ولم يشأها منهم، مع إقرارهم بالعلم، ففي تكفيرهم نزاع مشهور بين أهل العلم. فحقيقة القدر الذي فرض علينا الإيمان به أن نعتقد أن الله -سبحانه وتعالى- علم ما العباد عاملون قبل أن يوجدهم، وأنه كتب ذلك عنده، وأن أعمال العباد خيرها وشرها مخلوقة لله، واقعة بمشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، قال الله -تعالى-: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ١، وقال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} ٢، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} ٣، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} ٤.

فهذه الآيات ونحوها صريحة في أن أعمال العباد خيرها وشرها، وضلالهم واهتداءهم، كل ذلك صادر عن مشيئته، وقال -تعالى-: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} ٥ وقال: {إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} ٦، فدل ذلك على أن الله -سبحانه- هو الذي جعلها فاجرة، أو تقية، وأنه خلق الإنسان هلوعا، خلقه متصفا بالهلع. وقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} ٧، ففي هذه الآية بيان أن الله خلق المؤمن وإيمانه، والكافر وكفره. وقد صنف البخاري -رحمه الله تعالى- كتاب خلق أفعال العباد، واستدل بهذه الآيات، أو بعضها على ذلك، وفي الحديث: "إن الله خلق كل صانع وصنعته".

[الأدلة على تقدم علم الله سبحانه بجميع الكائنات قبل إيجادها]

أما الأدلة على تقدم علم الله -سبحانه- بجميع الكائنات قبل إيجادها، وكتابته ذلك، ومنها السعادة والشقاوة، وبيان أهل الجنة وأهل النار قبل


١ سورة المدثر آية: ٣١.
٢ سورة الأنعام آية: ١٣٧.
٣ سورة البقرة آية: ٢٥٣.
٤ سورة الأنعام آية: ١٠٧.
٥ سورة الشمس آية: ٧.
٦ سورة المعارج آية: ١٩.
٧ سورة التغابن آية: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>