للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يوجدهم، فكثيرة جدًّا، كقوله -تعالى-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} ١.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء"٢، وفي حديث آخر: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة"٣.

والأحاديث في هذا كثيرة جدا، فهؤلاء الذين وصفنا قولهم بأن الله لم يخلق أفعال العباد، ولا شاءها منهم، هم القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة. وقابلتهم طائفة أخرى غلوا في إثبات القدر، وهم يسمون الجبرية، فقالوا: إن العبد مجبور مقهور على ما يصدر منه، لا قدرة له فيه، ولا اختيار؛ بل هو كغصن الشجرة الذي تحركه الريح. والذي عليه أهل السنة، والجماعة: الإيمان بأن أفعال العباد مخلوقة لله، صادرة عن مشيئته، وهي أفعال لهم، وكسب لهم باختيارهم؛ فلذا ترتب عليها الثواب والعقاب. والسلف يسمون الجبرية قدرية؛ لخوضهم في القدر.

ولهذا ترجم الخلال في كتاب السنة، فقال: الرد على القدرية، وقولهم: إن الله جبر العباد على المعاصي، ثم روى عن بقية، قال: سألت الزبيدي، والأوزاعي عن الجبر، فقال الزبيدي: أمر الله أعظم، وقدرته أعظم من أن يجبر أو يعضل، ولكن يقضي، ويقدر، ويخلق، ويَجبُل عبده على ما أحب.

وقال الأوزاعي: ما أعرف للجبر أصلا من القرآن ولا السنة، فأهاب أن أقول ذلك، ولكن القضاء والقدر والجبل والخلق، فهذا يعرف من القرآن، والحديث.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-*: فهذان الجوابان اللذان


١ سورة الحديد آية: ٢٢.
٢ مسلم: القدر (٢٦٥٣) , والترمذي: القدر (٢١٥٦) , وأحمد (٢/ ١٦٩).
٣ الترمذي: تفسير القرآن (٣٣١٩) , وأحمد (٥/ ٣١٧).
* انظر "درء تعارض العقل والنقل" ١/ ٦٧، و"مجموع الفتاوى" ٣/ ٣٢٣. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]

<<  <  ج: ص:  >  >>