للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطأ من جعل الأشعرية من أهل السنة، كما ذكره السفاريني في بعض كلامه، ويمكن أنه أدخلهم في أهل السنة مدارة لهم لأنهم اليوم أكثر الناس، والأمر لهم، والله أعلم، مع أنه قد دخل بعض المتأخرين من الحنابلة في بعض ما هم عليه.

[معنى يأس الشيطان من كفر جزيرة العرب]

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد أيس من أن يعبده المصلون في جزيرة العرب"١ فقد يحتج بهذا الحديث من زعم أن هذه الأمور الشركية التي تفعل عند القبور ومع الجن، مثل سؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والاستعاذة بهم، والتقرب إليهم بالذبح لهم، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادات، ليست عبادة لهم ولا شركا، فيقال: (أولا): إن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الإياس إلى الشيطان، ولم يقل: إن الله آيسه، فالإياس الصائر من الشيطان لا يلزم تحقيقه واستمراره، ولكن عدو الله لما رأى ما ساءه من ظهور الإسلام في جزيرة العرب وعلوه أيس من ترك المسلمين دينهم الذي أكرمهم الله به، ورجوعهم إلى الشرك الأكبر، وهذا كما أخبر الله -سبحانه وتعالى- عن الكفار في قوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} ٢، قال المفسرون: لما رأى الكفار ظهور الإسلام في أرض العرب، وتمكنه فيها، يئسوا من رجوع المسلمين عن الإسلام إلى الكفر.

قال ابن عباس وغيره من المفسرين: يئسوا أن تراجعوا دينهم، قال ابن كثير: وعلى هذا يرد الحديث الثابت في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم"٣ يعني أن إياس الشيطان مثل إياس الكفار، وأن الكل يئس من ارتداد المسلمين، وتركهم دينهم، ولا يلزم من ذلك امتناع وجود الكفار في أرض العرب؛ ولهذا قال ابن رجب على الحديث: إن الشيطان يئس أن تجتمع


١ مسلم: صفة القيامة والجنة والنار (٢٨١٢) , والترمذي: البر والصلة (١٩٣٧) , وأحمد (٣/ ٣١٣,٣/ ٣٥٤,٣/ ٣٨٤).
٢ سورة المائدة آية: ٣.
٣ مسلم: صفة القيامة والجنة والنار (٢٨١٢) , والترمذي: البر والصلة (١٩٣٧) , وأحمد (٣/ ٣١٣,٣/ ٣٥٤,٣/ ٣٦٦,٣/ ٣٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>