(الجواب): أما مسائل المزارعة فنذكر كلام الفقهاء في ذلك؛ حتى يتبين لك جواب ما سألت عنه فنقول:
اختلف العلماء في جواز المزارعة، فأجازها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة بعدهم، وكرهها أبو حنيفة والنخعي. وأجازها الشافعي في الأرض بين النخل، ومنعها في الأرض البيضاء، والحجة مع الجمهور. هذا إذا كان العقد على مزارعة، وهي العقد على الأرض ببعض ما يخرج منها، كثلث وربع ونحو ذلك.
وأما إذا كان العقد عليها إجارة لا زراعة، فإن أجرها بدراهم معلومة فهذا جائز. قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن كراء الأرض وقتا معلوما جائز بالذهب والفضة، وأما إجارة الأرض بالطعام فتنقسم أقساما:
(أحدها): أنه يؤجرها بطعام معلوم غير الخارج منها، فهذا جائز، نص عليه أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم، منهم الشافعي، وأصحاب الرأي، ومنع منه مالك.
(القسم الثاني): إجارتها بطعام معلوم من جنس ما يزرع فيها، كإجارتها بقفزان حنطة من زرعها، ففيه روايتان:(إحداهما) المنع، وهو مذهب مالك، (والثانية) الجواز، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وهي المذهب.
(القسم الثالث): إجارتها بجزء مشاع مما يخرج منها، كنصف وثلث وربع، فالمنصوص عن أحمد جواز ذلك، وهو الصحيح، وهو قول أكثر الأصحاب. وقد نص أحمد فيمن قال: أجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها أنه يصح. قال بعضهم: وهذه مزارعة بلفظ الإجارة، وقال بعضهم: بل هذه إجارة، والإجارة تصح بجزء معلوم مشاع مما يخرج من الأرض المؤجرة، كما نص عليه أحمد.
وقال الشيخ تقي الدين: تصح إجارة الأرض للزرع ببعض الخارج منها، وهو ظاهر المذهب، وهو قول الجمهور، والقول الثاني أنه لا تجوز إجارتها بجزء مشاع منها، لأنها إجارة بعوض مجهول،