السوق وخاطبتني خطاب من لا يدري الحقائق، ولا يهتدي لأوضح المسالك والطرائق، ونظرت بعين وغمضت الأخرى، ونكبتَ عما هو الأَوْلى بالإصابة والأحْرَى، وأقبلت في تلك الأيام على الملأ المفتونين بخطوط العساكر التي وصلت إلى بلدتنا، وأنت تدري ما فيها من الصد عن سبيل الله وهدم دينه ومطردات أوليائه، والتَّنْوِيه بذكر أعداء الله ورسله، والدعوة إلى طاعتهم، والدخول تحت أمرهم، وتخويف المسلمين منهم، وقد صرح كثير من الناس بالدخول تحت أمرهم، وظهر الفرح والسرور من كثير ممن يدعي الإسلام. وأنت أيها الرجل ممن يتردد إلى هؤلاء المفتونين، ويأنس ببعضهم ويصغي إلى شبهاتهم وجهالاتهم، ولم تلتفت إلى بَحْث ومُحَاقَّة ولا استرشاد، كما هو الواجب لله عند تلك الفتنة والشبهات، لكنك غَلَّبْتَ جانبَ الهوى وأكثرْتَ تلك الأيام من مجالسة مَنْ يضر ولا ينفع، ولا يَنِي عن إغوائه ولا ينزع، وقد جاء الأثر: إن مَنْ جَالَسَ صاحب بدعة نُزِعَتْ منه العصمة، فكيف بما هو أكبر من البدعة وأعظم. ولم يبلغني عنك تلك الأيام ما يسرني من قيام لله ونصرة لدينه، اللهم إلا ما يجري على لسانك من دعوى البراءة من الشرك وأهله على سبيل الإجمال لا التفصيل، وقد علم الله أن العبرة بالحقائق، وليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمالُ.
ولم تَزَلْ على ما وصفنا تطير مع مَن طار، وتُغِير علينا بالتخطئة والمِرَاء مع مَن أغار، ومثلك كان يُظَنُّ به الخير، ويأسى عليه الصاحب، وأنت -وإن لم تكن كل الفقيه والطالب- فقد حَنَّكَتْكَ التجاربُ، وَقَعَّدَتْكَ الحوادثُ والمذاهبُ، لولا ما عارَضَهَا من صحبة جلساء السوء الذين يدعونك إلى أهوائهم