الحجاج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينازعونه ولا يمتنعون من طاعته فيما يقوم به الإسلام ويكمل به الإيمان، وكذلك من في زمنه من التابعين كابن المسيب والحسن البصري وابن سيرين وإبراهيم التيمي وأشباههم ونُظَرَائِهم من سادات الأمة. واستمر العمل على هذا بين علماء الأمة من سادات الأمة وأئمتها، يأمرون بطاعة الله ورسوله، والجهاد في سبيله مع كل إمام بر أو فاجر، كما هو معروف في كتب أصول الدين والعقائد.
وكذلك بنو العباس استولوا على بلاد المسلمين قهرا بالسيف لم يساعدهم أحد من أهل العلم والدين، وقتلوا خلقا كثيرا وَجَمًّا غفيرا من بني أمية وأمرائهم ونُوَّابهم، وقتلوا ابن هبيرة أمير العراق، وقتلوا الخليفة مروان، حتى نُقِلَ أن السفاح قَتَلَ في يوم واحد نحو الثمانين من بني أمية، ووضع الفرش على جثثهم وجلس عليها، ودعا بالمطاعم والمشارب، ومع ذلك فسيرة الأئمة كالأوزاعي ومالك والزهري والليث بن سعد وعطاء بن أبي رباح مع هؤلاء الملوك لا تخفى على مَن له أدنى مشاركة في العلم والاطلاع.
والطبقة الثانية من أهل العلم: كأحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل ومحمد بن إدريس، وأحمد بن نوح وإسحاق بن راهويه وإخوانهم وقع في عصرهم من الملوك ما وقع من البدع العظام وإنكار الصفات، ودعوا إلى ذلك، وامتحنوا فيه، وقتل من قتل كمحمد بن نصر، ومع ذلك فلا يعلم أن أحدا منهم نزع يدا من طاعة، ولا رأى الخروج عليهم. وإلى الآن يبلغني عنك أنك تميل إلى ذلك الضرب من الناس الذين وصفنا حالهم فرضيت بهم في أمر دينك، وضربت عن سيرة الأئمة صَفْحًا، وطويتَ على هجرها كَشْحًا، فإن تبينَ لك هذا، ومَنَّ الله عليك بمعرفته، فأنت أخونا وصاحبنا