ثم هنا مسألة أخرى، وداهية كبرى، دَهَى بها الشيطانُ كثيرا من الناس فصاروا يسعون فيما يفرق جماعة المسلمين، ويوجب الاختلاف في الدين، وما ذمه الكتاب المبين، ويقضي بالإخلاد إلى الأرض وترك الجهاد ونصرة رب العالمين، ويفضي إلى منع الزكوات، ويُشِبُّ نار الفتن والضلالات، فتلطف الشيطان في إدخال هذه المكيدة ونصب لها حُجَجًا ومقدمات، وأوهمهم أن طاعة بعض المتغلبين فيما أمر الله به ورسوله من واجبات الإيمان وفيما فيه دفعٌ عن الإسلام وحماية لحوزته لا تجب، والحالة هذه ولا تشرع، ولم يدر هؤلاء المفتونون أن أكثر ولاة أهل الإسلام من عهد يزيد بن معاوية -حاشا عمر بن عبد العزيز، ومن شاء الله من بني أمية- قد وقع منهم ما وقع من الجراءة والحوادث العظام، والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام، ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام والسادة العظام معهم معروفة مشهورة، لا ينزعون يدا من طاعة فيما أمر الله به ورسوله من شرائع الإسلام وواجبات الدين. وأضرب لك مثلا بالحجاج بن يوسف الثقفي، وقد اشتهر أمره في الأمة بالظلم والغَشَم، والإسراف في سفك الدماء، وانتهاك حرمات الله، وقتل من قتل من سادات الأمة كسعيد بن جبير، وحاصر ابن الزبير وقد عَاذَ بالحرم الشريف، واستباح الحرمة، وقتل ابن الزبير مع أن ابن الزبير قد أعطاه الطاعة وبايعه عامة أهل مكة والمدينة واليمن وأكثر سواد العراق، والحجاج نائب عن مروان ثم عن ولده عبد الملك، ولم يعهد أحد من الخلفاء إلى مروان، ولم يبايعه أهل الحل والعقد، ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته والانقياد فيما تسوغ طاعته فيه من أركان الإسلام وواجباته. وكان ابن عمر ومن أدرك