ابن درهم، وكان الجعد قد سكن حران، وخالط الصابئة واليهود، وأخذ عنهم من المقالات والمذاهب المكفرة ما أنكره عليه كافة أهل الإسلام، وكفروه بذلك؛ حتى إن خالد بن عبد الله القسري أمير واسط في خلافة بني أمية قتل الجعد، وضحى به يوم العيد الأكبر، فقال وهو على المنبر: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم. إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلا. ثم نزل فذبحه، وشكره على هذا الفعل وصوبه جميع أهل السنة. وإنما قال الجعد هذه المقالة لاعتقاده أن الخلة والتكليم والاستواء ونحو ذلك من الصفات لا تكون إلا من صفات المخلوقات، وخصائص المحدثات، وهذا المذهب نشأ من سوء اعتقادهم، وعدم فهمهم لما يراد، وما يليق من المعنى المختص بالله، فظنوا ظن السوء بالله وصفاته. ثم أخذوا في نفيها وتعطيلها، وتحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في أسمائه. ولو عرفوا أن ما يثبت لله من الصفات لا يشبه صفات المخلوقات، بل هو بحسب الذات، وكل شيء صفاته بحسب ذاته، فكما أننا نثبت له ذاتا لا تشبه الذوات، فكذلك نثبت له صفات لا تشبه صفات المخلوقات.
لو عرفوا هذا لسلموا من التعطيل، وعلى قولهم ومذهبهم الخبيث لا يعبدون ربا موصوفا بصفات الكمال، وصفات العظمة والجلال، وإنما يعبدون ذاتا مجردة عن الصفات؛ فهم -كما قال بعض العلماء- لا يعبدون واحدا أحدا فردا صمدا، وإنما يعبدون خيالا عدما.
وهذا المذهب اشتهر بعد الجعد بن درهم عن تلميذه جهم بن صفوان، ولذلك يسمى أهل هذا المذهب عن السلف وأئمة الأمة جهمية نسبة