إلى جهم، ثم أعلن به، وأظهره بشر المريسي وأصحابه في أوائل المئة الثالثة؛ لأنهم تمكنوا من بعض ملوك بني العباس، وصار لهم عنده جاه ومنْزلة، فقويت بذلك شوكة الجهمية، وكثر شرهم، وعظم على الإسلام وأهله كيدهم وضررهم، حتى امتحنوا من لم يوافقهم على بدعتهم، وضلالتهم، فشردوا بعض أهل السنة عن أوطانهم، وحبسوا، وضربوا، وقتلوا على هذا المذهب. وجرى على إمام السنة الإمام المبجل أحمد بن حنبل من ذلك أشد امتحان، وأعظم بلية، وضُرب حتى أغشي عليه من الضرب، وإذا جادله منهم مجادل قال: ائتوني بشيء من كلام الله، وكلام رسوله حتى أجيبكم إليه، فيأبون، ويعرضون، ويرجعون إلى شبه الفلاسفة واليونان، وهو مع ذلك يكشف لهم الشبه، ويبين بطلانها بأدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة والأدلة العقلية الصريحة؛ وصنف في ذلك كتابه المعروف في الرد على الزنادقة والجهمية، وهو كتاب جليل لا يستغني عنه طالب العلم.
والمقصود أن علماء الأمة أنكروا مذهب الجهمية أشد الإنكار، وصرحوا بأنه من مذاهب الضُلّال والكفار، ولم يخالف في ذلك أحد منهم. وقد جمع اللالكائي جملة من كلام السلف في تكفيرهم، وتضليلهم في كتابه الذي سماه:"كاشف الغمة عن معتقد أهل السنة"، ومختصر كتابه موجود عندكم في الساحل قدم به عبد الله بن معيذر عام اثنين وسبعين، وهو وقف على طلبة العلم الشريف.
[بدعة الجهمية وفتنتهم لأهل السنة]
إذا عرف هذا، فأهل السنة متفقون في كل عصر ومصر على أن الله موصوف بصفات الكمال ونعوت الجلال التي جاء بها الكتاب والسنة، يثبتون لله ما أثبته لنفسه المقدسة، وماوصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم