هذا العالم في الإتقان والحكمة، ولو كان في القدرة أبدع وأحكم منه ولم يفعله، لكان ذلك قضاء للجور، وذلك محال. ثم قال: والجواب أنه باعد في اعتقاد عموم القدرة، ونفي النهاية عن تقدير المقدرات المتعلقة بها، ولكن في تفصيل هذا العلم المخلوق لا في سواه، وهذا رأي فلسفي قصدت به الفلاسفة قلب الحقائق، ونسبة الإتقان إلى الحياة مثلا، والوجود إلى السمع والبصر حتى لا يبقى في القلوب سبيل إلى الصواب؛ واجتمعت الأمة على خلاف هذا الاعتقاد، وقالت عن بكرة أبيها: إن المقدورات لا نهاية لها بكل مقدور الوجود، لا بكل حاصل الوجود، إذ القدرة صالحة. ثم قال: وهذه وهلة لا لعا بها ومنزلة لا تمسك فيها، ونحن وإن كنا نقطة من بحره، فإنا لا نرد إلا بقوله. ومما أخذ عليه قوله: إن للقدر سرا نهينا عن إفشائه، فأي سر للقدر؟ فإن كان مدركا بالنظر وصل إليه ولا بد، وإن كان مدركا بالخبر فما ثبت فيه شيء، وإن كان يدرك بالحيل والعرفان، فهذه دعوى محضة، فلعله عني بإفشائه إن تعمق في القدر، وبحث فيه.
قال الذهبي: أنبأنا محمد بن عبد الكريم: أنبأنا أبو حسن السخاوي أنبأنا: خطاب بن قمرية الصوفي: أنبأنا سعد بن أحمد الإسفراييني بقراءتي: أنبأنا أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الطوسي قال: اعلم أن الدين شطران: أحدهما ترك المناهي، والآخر فعل الطاعات. وترك المناهي هو الأشد، وفعل الطاعات يقدر عليه كل أحد، وترك الشهوات لا يقدر عليه إلا الصديقون، ولذلك قال أبو عامر العبدي: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي يحلف بالله أنه أبصر في نومه كأنه ينظر في كتب الغزالي؛ فإذا هي كلها تصاوير.