ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد وكلهم يلقبونه بشيخ الإسلام. وقد أنكر بعض العلماء على شيخ الإسلام ابن تيمية النابغة الكبير بأشد مما انتقده خصوم أبي حامد عليه، وهو منهم، حتى إنهم كفروه، وما زال أخلافهم المقلدون يتحامون كتبه، ويحذرون المسلمين منها بأشد مما حذر العلامة الشيخ عبد اللطيف هنا من كتاب الإحياء. على أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد امتاز على أهل الحديث والأثر بالإطلاع الواسع على علوم الكلام والمنطق والفلسفة التي كان السلف والمقتدون بهم من الخلف يحذرون منها، ولكن لو لم يطلع عليها شيخ الإسلام إطلاعا واسعا لما استطاع أن ينصر السنة ومذهب السلف على كل ما خالفه منها، كما كان أقرانه في علم الحديث يعجزون عن ذلك، وفي مقدمتهم صديقه الحافظ الذهبي رحمهم الله -تعالى-. والقول الحق في كتاب الإحياء: أن أكثر ما فيه حق ونافع وقوي التأثير في تقوية الإيمان والترغيب في العبادة والتقوى والورع، وإنني ممن انتفع به كثيرا في بدايته، ولا أنكر أنني تضررت أيضا ببعض آرائه، وآراء أمثاله في الجبر، والغلو في الزهد، وأما الحديث، فإن الله -تعالى- ألهمني في أوائل طلب العلم الاشتغال به، فكان ذلك سببا لاقتنائي شرح الإحياء للزبيدي المشتمل على تخريج أحاديثه. وأقول: إن اشتغال أهل نجد بكتب السنة واعتمادهم في العقائد ورد الشبه في آداب الشرع والتصوف السني على كتب شيخي الإسلام يغنيهم عن كتاب الإحياء، وينبغي أن لا يطلع عليه منهم إلا العلماء، إن وجدوا مقتضيا، ولكنني أنصح بأن لا يطعنوا في أبي حامد، ولا يعدوه مضلا، فإننا إذا أردنا أن نعد كل من أخطأ من العلماء، وأمكن الاستدلال على خطئه ببعض النصوص الصحيحة، أو آثار السلف ضالا مضلا، ولم نميز بين المجتهد المتأول، والمعاند فإنه لا يكاد يسلم لنا من أعلام هذه الملة إلا النادر؛ فإنا نرى أئمة الفقهاء من المذاهب الأربعة قد خالفوا باجتهادهم بعض هذه النصوص. ونرى فروعا كثيرة في الحلال والحرام، قد قيلت بالرأي المخالف لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها" فهل نقول في متبعي أئمتهم فيها: إنه ينطبق عليهم حديث عدي بن حاتم المرفوع في تفسير: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} بأنهم كانوا يتبعونهم فيما يحلون لهم، ويحرمون عليهم؟ قال الإمام مالك -رحمه الله-: كل أحد يؤخذ من كلامه، ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر -، ويشير إلى قبره صلى الله عليه وسلم. وكتبه محمد رشيد رضا.