للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أمر بالاعتصام بحبله وهو دينه وكتابه أمرًا عامًّا لجميع المكلفين وسائر المخاطبين، لأن التقوى والتزام الإسلام يتوقف على ذلك؛ ولا يحصل المقصود منه إلا بالاعتصام بحبل الله وترك التفرق والاختلاف؛ لما فيهما من فساد الدين وهدم أصوله وقواعده. ثم ذَكَّرَهم بنعمته عليهم بتأليف قلوبهم واجتماعها بعد العداوة والبغضاء، فإن التفرق والاختلاف عذاب وهلاك وشقوة في العاجل والآجل، والجماعة والائتلاف رحمة وسعادة ونعيم في العاجل والآجل. وأخبرهم أنهم كانوا على شفا حفرة من النار بما كانوا عليه من الضلالة والجاهلية، فامتَنَّ عليهم وأنقذهم واجتباهم وهداهم، وجمع قلوبهم وشملهم بعد الفرقة والشتات، وأعزهم وأغناهم بعد الفقر والحاجات، فيا لها من نعم ما أجلّها‍! ومواهب ما أعظمها وأبرها، لمن عقلها وشكرها! ‍ ولذلك ختم الآية بقوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ١: فيه بيان الحكمة المقتضية لبيان الآيات والتذكير بالنعم، وأن المراد بها حصول الاهتداء، وترك أسباب الشقاء والردى.


= أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" إلخ. وأجاب عنه الجمهور: بأن هذا بيان للنادر وحديث علي وما في معناه هو الأكثر، وهذا الذي اعتمده شراح الصحيحين على أن بعض المحدثين قالوا: إن عبارة "فوالله إن أحدكم ليعمل" إلخ مُدْرَجَة في الحديث من كلام ابن مسعود، لا مرفوعة كما رواه بعضهم صريحا، بلفظ "فوالذي نفس عبد الله بيده" إلخ. وحكى ابن التين أن عمر بن عبد العزيز لما سمع هذا الحديث أنكره، وقال: كيف يصح أن يعمل العبد عمره الطاعة لا يدخل الجنة؟ وفيه إشكال آخر، وهو: أنه ينافي ما صح من سبق رحمة الله لغضبه. والتحقيق -عندي- أن المراد بمن يعمل عمل أهل الجنة وهو من أهل النار: أنه لا بد أن يكون مع عمله منطويا على شيء من عقائد الشرك؛ كما كان يقول الأستاذ العلامة الشيخ عبد الغني الرافعي -رحمه الله تعالى-. وأكتفي بهذه الحاشية الموجزة لتصحيح رأي من أنكر عبارة الشيخ عبد اللطيف من قليلي الاطلاع على كتب السنة.
١ سورة آل عمران آية: ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>