للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذوي الألباب، يعرفون هذا من نفس خطابكم، وأن تخصيص ابن ثنيان تستر وخوف من السيف، وإلا فهم عندكم على طريقة واحدة، ومذهب واحد.

فقد كنت تُخفي حُبَّ سَمْراءَ حِقبةً ... فبُحْ لان ١ منها بالذي أنت بائحُ

ولو حقق الأمر، لم يوجد عندكم فارق بين ابن ثنيان وغيره. إذا عرف هذا، فلو سلم تسليما صناعيا أن قصدكم الأموال المغصوبة، فوجودها في بيت المال لا يقتضي التحريم على من لم يعلم عين ذلك، ولم يميز لديه، والمسؤول عن التخليط ولي الأمر، لا من أخذ منه، إذا لم يعلم عين المغصوب، وقد ذكر ذلك أئمتكم من الشافعية، وغيرهم من أهل العلم، بل ذكر ابن عبد البر إمام المالكية في وقته أنه لا يعرف تحريم أموال السلاطين عن أحد ممن يعتد به من أهل العلم.

وقال في رسالته لمن أنكر عليه ذلك:

قل لمن ينكر أكلي ... لطعام الأمراء

أنت من جهلك عندي ... بمحل السفهاء

فإن الاقتداء بالسلف الماضين هو ملاك الدين.

ثم قال بعد ذلك: ومن حكي عنه أنه تركها، كأحمد وابن المبارك وسفيان، وأمثالهم فذاك من باب الزهد في المباحات، وهجر التوسعات، لا لاعتقاد التحريم ... إلى أن قال: وقد قال عثمان رضي الله عنه: جوائز السلطان لحم ظبي ذكيّ، وقد قال ابن مسعود لما سئل عن طعام من لا يجتنب الربا في مكسبه، قال: لك المهنا وعليه المأثم، ما لم تعلم الشيء بعينه حراما.


١ "لان" مخففة من الآن لضرورة الوزن. ولو قال الشاعر: "بح" بغير فاء، لزالت هذه الضرورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>