للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكي عن أحمد -رحمه الله-: جوائز السلطان، أحب إلينا من صلة الإخوان، لأن الإخوان يمنون، والسلطان لا يمن. قال: وكان ابن عمر يقبل جوائز صهره المختار، وكان المختار غير مختار. حكى هذا عنه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله، وناهيك به حفظا وأمانة- عند الكلام على حديث: "إذا دخل أحدكم بيت أخيه فأطعمه من طعامه، أو سقاه من شرابه، فليأكل من طعامه، وليشرب من شرابه، ولا يسأل عنه"١ والحديث معروف في السنن.

قال الحافظ الذهبي: قيل لعبد الله بن عثمان بن خيثم: ما كان من معاش عطاء؟ قال صلة الإخوان، ونيل السلطان. وهذا مشهور بين أهل العلم، وقد قال صالح بن أحمد لأبيه، لما ترك الأكل مما بيد ولده من أموال الخلفاء: أحرام هي يا أبتِ؟ قال: متى بلغك أن أباك حرمها؟

وأما إذا علم الإنسان عين المال المحرم، لغصب أو غيره، فلا يحل له الأكل بالاتفاق، والمشتبه الذي ندب إلى تركه هو ما لم يعلم حله ولا تحريمه. وأما إذا امتاز بحال، وعرف الحكم، فهو لاحق بالبين لا الاشتباه، وفي دخول أموال السلاطين في المشتبه بحث جيد، لا يخاطب به إلا من سلمت -في السلف الصالح- سريرته، وحسنت في المسلمين عقيدته، والمرتاب يصان عنه العلم، ولا يخاطب إلا بما يزجره ويردعه، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدايا من المقوقس، وصاحب دومة الجندل، وغيرهما، وهوصلى الله عليه وسلم لا يقبل إلا طيبا، ولا يأكل إلا طيبا. وأموال الكفار لا يبيحها الغصب لمثل المقوقس، وإنما تباح، وتملك بالقهر والغلبة والاستيلاء للمسلمين.

وهذا كله منا على سبيل التنزل والمجاراة، وإلا فنحن نعلم أنكم لا تذكرون هذا إلا على سبيل العيب، والمذمة والغيبة لا عن ورع فيكم، ولا تحر للصواب،


١ أحمد (٢/ ٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>