أهل الإثبات، ويتبين ذلك بتعريف الشرط: وهو أنه ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود لذاته. وإذا عرف هذا، فالعقل يلزم من عدمه العدم، والتمييز يلزم من عدمه العدم، والعلم يلزم من عدمه العدم، هذه شروط الصحة. وأما شروط القبول: فالالتزام والإيثار والرضى. وإذا اجتمعت هذه الشروط حصل القول المنجي، والشهادة النافعة، ومصدر هذه الشروط عن علم القلب وعمله، وهناك يصدر التلفظ بها عن يقين وصدق. والجهمية لم يتصفوا بشرط من هذه الشروط، وقد صرح أهل السنة بذلك، وحاجة معطلة الصفات إلى معرفة التوحيد في العبادات كحاجة من عدم الرأس من الحيوانات إلى الرسن. قال أبو الطيب:
فقر الجهول بلا علم إلى أدب ... فقر الحمار بلا رأس إلى رسن
ولها أيضا شروط منها: معرفة الإله الحق بصفات كماله، ونعوت جلاله، التي علوه وارتفاعه واستواؤه على عرشه من أظهرها وأوجبها، وكذلك معرفة أمره ونهيه ودينه الذي شرعه، والوقوف مع أمر رسوله وحدوده، ومنها كون الطبيعة لينة منقادة سلسلة قابلة. وهذه الشروط معدومة في السائل، قد اتصف بضدها، معبوده مسلوب الصفات، لا وجود له في الحقيقة، وأمره ونهيه منبوذ عند هذه الطائفة، لا يهتدون بكتابه، ولا يأتمرون بأمره، والمعول عندهم على شبهات منطقية، وخيالات كلامية، يسمونها قواطع عقلية، ومقدمات يقينية، ونصوص الكتاب والسنة عندهم ظواهر لفظية، وأدلة ظنية. وأما طبائعهم فأقسى الخلق وأعتاهم وأعظمهم ردا على الرسل، واعتمادا على أقوال الصابئة والفلاسفة، وأمثالهم من شيوخ القوم، الذين لم يلتفتوا إلى ما جاءت به الرسل، ولم يرفعوا به رأسا فضلا عن معرفته