شرح الله صدره، واستنار قلبه بنور الكتاب والسنة، وتدبر الآيات، وطالع كتب التفسير وأقوال السلف في المعنى والأحاديث الصحيحة فسافر إلى البصرة، ثم إلى الأحساء والحرمين، لعله أن يجد من يساعده على ما عرف من دين الإسلام. فلم يجد أحدا، كلهم قد استحسن العوائد، وما كان عليه غالب الناس في هذه القرون المتأخرة إلى منتصف القرن الثاني عشر، ولا يعرف أن أحدا دعا فيها إلى توحيد العبادة، أو أنكر الشرك المنافي له، بل قد ظنوا جواز ذلك أو استحبابه. وذلك قد عمت به البلوى من عبادة الطواغيت والقبور، والجن، والأشجار والأحجار، في جميع القرى والأمصار والبوادي وغيرهم. فما زالوا كذلك إلى القرن الثاني عشر، فرحم الله كثيرا من هذه الأمة بظهور شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وكان قد عزم، وهو بمكة أن يصل الشام مع الحاج فعاقه عنهم عائق، فقدم المدينة، وأقام بها.
ثم إن العليم الحكيم رده إلى نجد رحمة لمن أراد أن يرحمه بمن يؤويه وينصره، وقدم على أبيه وصنوه وأهله ببلد حريملا فناداهم بالدعوة إلى التوحيد، ونفي الشرك والبراءة منه ومن أهله، وبيّن لهم الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وكلام السلف -رحمهم الله-. فقبل منهم من قبل، وهم الأقلون، وأما الملأ والكبراء الظلمة الفسقة فكرهوا دعوته، فخافهم على نفسه، وأتى العينية وأظهر الدعوة بها، وقبل منه كثير منهم حتى رئيسهم عثمان بن أحمد بن معمر. ثم إن أهل الأحساء، وهم خاصة العلماء أنكروا دعوته، وكتبوا شبهات تنبئ عن جهلهم وضلالهم، وأغروا به شيخ بني خالد؛ فكتب لابن معمر أن يقتل هذا الشيخ أو يطرده فما تحمل مخالفته، فنفاه من بلده إلى الدرعية. فتلقاه محمد بن سعود -رحمه الله- بالقبول، وبايعه على أن يمنعه مما يمنع منه أهله وولده