للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودعاءه، والاستغاثة والاستعاذة به، والذبح والنذر (له)، والحب مع الله ١، توسلا بالصالحين وتشفعا بهم. وقد صرح بهذا أشياخ هذا الصحاف وأشياعه، وكتبوا به إلينا وإلى شيخنا -رحمه الله تعالى-، وعندهم أن الإنسان لا يكفر، ولا يكون مشركا إلا إذا اعتقد التأثير له من دون الله، ولم يفقهوا أن الله حكى عن المشركين في غير موضع من كتابه أنهم يعترفون له بأنه هو المختص بالإيجاد والتأثير والتدبير، وأن غيره لا يستقل بشيء من ذلك ولا يشاركه فيه، وحكى عن المشركين أنهم ما قصدوا بعبادة من سواه إلا القربان والشفاعة، كما ذكر ذلك في غير موضع من كتابه.

قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ؟ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} ٢، وقال: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ


١ يعني والحب الذي هو من جنس حب الله، والمؤمن لا يحب مع الله أحدًا من جنس حبه أي التعظيم المبني على اعتقاد السلطان الغيبي، وهو المذكور في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}، ومعلوم أن الحب أنواع كحب الوالدين والأولاد والأقربين والأزواج والمعلمين والعلماء العاملين وأمراء العدل والصالحين والشجعان والمحسنين والحسان الوجوه. وكل نوع منها يخالف الآخر وأما حب الله تعالى فهو جنس آخر أعلى من جميع هذه الأنواع لأن مناطه منتهى الكمال المطلق والإحسان الأكمل، والعبودية الخالصة المبنية على الإيمان بالسلطان الغيبي الذي سخر الأسباب، وقيد تصرف خلقه بها. وهو الصمد الذي يقصد ويلجأ ويتوجه إليه وحده فيما يعجز عنه عباده المقيدون بالأسباب. فمن توجه إلى غيره في ذلك، ولجأ إليه، أو استغاثه، واستعانه، أو توكل عليه، أو جعل له تأثيرًا معه، أو عنده في قضاء حاجاته من هذا الجنس، فقد عبده. ومن أحب غيره لرجائه فيه أو خوفه منه فيما وراء الأسباب العامة فقد اتخذه ندًا وشريكًا له وكان حبه له من جنس حبه، وهو شرك لا يتفق مع دين الإسلام، وإن سماه أصحابه توسلا وتشفعا وأنكروا تسميته شركا.
٢ سورة يونس آية: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>