للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمل وصفين ثلاثة أوجه:

(أحدها): كلاهما مصيب.

(والثاني): المصيب واحد لا بعينه.

(والثالث): أن عليا هو المصيب، ومن خالفه مخطئ.

"والمنصوص عن أحمد وأئمة السنة أنه لا يذم أحد منهم، وأن عليا أولى بالحق من غيره. أما تصويب القتال فليس هو قول أئمة السنة، بل هم يقولون: إن تركه كان أولى. وطائفة رابعة تجعل عليا هو الإمام، وكان مجتهدا مصيبا في القتال، ومن قاتله كانوا مجتهدين مخطئين، وهذا قول كثير من أهل الكلام والرأي من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي وأحمد.

وطائفة خامسة تقول: إن عليا مع كونه كان خليفة، وهو أقرب إلى الحق من معاوية، فكان ترك القتال أولى. وينبغي الإمساك عن القتال لهؤلاء وهؤلاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ستكون فتنة؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي"١. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال في الحسن: "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين"٢ فأثنى على الحسن بالإصلاح. ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لما مدح تاركه.

قالوا: وقتال البغاة لم يأمر الله به ابتداء، ولم يأمر بقتال كل باغ، بل قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} ٣ فأمر إذا اقتتل المؤمنون بالإصلاح بينهم، فإن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت.

قالوا: ولهذا لم يحصل بالقتال مصلحة، والأمر الذي لم يأمر الله به لا بد أن يكون مصلحته راجحة على مفسدته، وفي سنن أبي داود: ثنا الحسن بن علي، ثنا يزيد، ثنا هشام عن محمد بن سيرين، قال: قال حذيفة: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تضره الفتنة"٤، فهذا يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن محمد بن مسلمة لا تضره الفتنة، وهو ممن اعتزل في القتال، فلم يقاتل مع علي، ولا مع معاوية، كما اعتزل سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر،


١ البخاري: المناقب (٣٦٠٢) , ومسلم: الفتن وأشراط الساعة (٢٨٨٦) , وأحمد (٢/ ٢٨٢).
٢ البخاري: الصلح (٢٧٠٤) والمناقب (٣٦٢٩ ,٣٧٤٦) والفتن (٧١٠٩) , والنسائي: الجمعة (١٤١٠) , وأحمد (٥/ ٤٤).
٣ سورة الحجرات آية: ٩.
٤ أبو داود: السنة (٤٦٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>