للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو بكرة، وعمران بن حصين، وأكثر السابقين الأولين.

وهذا يدل على أنه ليس هناك قتال واجب ولا مستحب؛ إذ لو كان كذلك لم يكن ترك ذلك مما يمدح به الرجل، بل كان من فعل الواجب أو المستحب أفضل ممن تركه، ودل ذلك أن القتال قتال فتنة، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ستكون فتنة؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من المُوضِع"١، ٢.

وأمثال ذلك من الأحاديث الصحيحة التي تبين أن ترك القتال كان خيرا من فعله من الجانبين، وعلى هذا جمهور أئمة الحديث والسنة، وهذا هو مذهب مالك، والثوري، وأحمد، وغيره، وهذه أقوال مَن يحسن القول في علي، وطلحة، والزبير، ومعاوية، ومَن سوى هؤلاء من الخوارج، والروافض، والمعتزلة، فمقالتهم في الصحابة نوع آخر؛ فالخوارج يكفرون عليا وعثمان ومن والاهما، والروافض يكفرون جمهور الصحابة ومن والاهم، أو يفسقوهم، ويكفرون من قاتل عليا، ويقولون: هو إمام معصوم، وطائفة من المروانية تفسقه، وتقول: إنه ظالم معتد.

وطائفة من المعتزلة تقول: قد فسق؛ إما هو وإما من قاتله، لكن لا يعلم عينه. وطائفة أخرى منهم تفسق معاوية، وعمرو بن العاص، دون طلحة، والزبير، وعائشة". انتهى ما ذكره الشيخ تقي الدين بن تيمية في منهاج السنة.

فانظر -رحمك الله- بعين الإنصاف إلى كلام هذا الإمام، ثم انظر إلى كلام المعترض يتبين لك تحريفه للكلم عن مواضعه، فإن ابن تيمية إنما ذكر أن جمهور أئمة السنة يرون أن ترك قتال علي أولى من القتال، وأن تركه أحب إلى الله، وإلى رسوله لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن بن علي، وغيره الدال على هذا المعنى، وتقدمت الإشارة إلى بعضها.


١ البخاري: المناقب (٣٦٠٢) , ومسلم: الفتن وأشراط الساعة (٢٨٨٦) , وأحمد (٢/ ٢٨٢).
٢ الموضع كالمسرع وزنًا ومعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>