للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغضب والمحبة وغير ذلك من أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، ما يشفي ويكفي لمن أراد الله هدايته.

(الثاني): أنه لم يدع أن معه دليلا حديثا قطعي الدلالة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع من تفسير آيات الصفات وتأويلها حتى يقال له: هات ما ادعيت.

وإنما دعواه أن آيات الصفات وأحاديثها قد وردت في الكتاب والسنة، وتلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان بالقبول والتصديق والإيمان.

ولم يَرِدْ عن أحد منهم -لا بإسناد صحيح ولا حسن- أنهم فسروا ذلك، أو قال الرسول أو أحد من أصحابه للناس: لا تعتقدوا ظواهر هذه النصوص بل تأولوها على ما تقتضيه عقولكم ومقاييسكم، بل سكتوا عن ذلك، وأمروا بتبليغ القرآن والسنة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بلِّغوا عني ولو آية"١، وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ٢ الآية، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} ٣، {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} ٤.

(الثالث): أنك قد أقررت أنه صادق في هذه الدعوى بقولك: وأما أنه صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للتفسير والتأويل فإنه لا يكفيك، فقد صرحت بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتعرض لها بتفسير ولا تأويل، وهو المطلوب.

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد درجوا على ما ذكره المجيب من إمرارها كما جاءت من غير تعرض لها بتفسير ولا تأويل، وقد أقررت بذلك ولم تنكره، أفلا يسعك ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين المهديين كأَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمِانَ وعَلِيٍّ وأولاده، والعباس وابنه عبد الله بن عباس، والحَسَن والحُسَين ابني علي، وأخاهما محمد بن الحَنَفِيَّة، وعبد الله بن جَعْفَر، وعلماء العترة رضي الله عنهم؟ فلا وسع الله لمن لا يسعه ما وسعهم؛ فإنهم أئمة المتقين، وهداة الغر المحجلين.

وقد قال تعالى في سورة المائدة -وهي من آخر القرآن نزولا-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ


١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٦١) , والترمذي: العلم (٢٦٦٩) , وأحمد (٢/ ١٥٩ ,٢/ ٢٠٢ ,٢/ ٢١٤) , والدارمي: المقدمة (٥٤٢).
٢ سورة المائدة آية: ٦٧.
٣ سورة الرعد آية: ٤٠.
٤ سورة المائدة آية: ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>