للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكُمُ الأِسْلامَ دِينًا} ١.

والإسلام هو ما درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكت عنه وجب على الأمة السكوت عنه، فالأمور التي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكلام فيها يجب على الأمة اتباعهم فيها، كما أن الأمور التي فعلها وأمر بها يجب على الأمة اتباعه في ذلك، وهذا هو دين الإسلام الذي رضيه الله لهذه الأمة حيث قال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِينًا} ٢ وقال {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} ٣.

وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ"٤ وفي حديث أنه قال: "تركتكم على المَحَجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يَزيغ عنها بعدي إلا هالك"٥.

وقال أبو ذر: "لقد تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا ذكر لنا منه علما"٦.

وفي صحيح مسلم وجامعِ الترمِذِيّ وغيرهما: "عن سَلْمَان أنه قيل له: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخِرَاءه؟ فقال سلمان: أَجَلْ".

أفليس في هذا بيان للمؤمن أن كل ما حدث بعدهم فليس من دين الإسلام، بل من البدع والمنكرات العظام؟ وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ٧ وأثنى الله -تبارك وتعالى- على من اتبع سبيلهم، واقتفى منهاجهم، فقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ٨.

(الوجه الرابع) أن يقال: الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا أقدر على تفسيرها وتأويلها ممن بعدهم، فلم يسكتوا عن ذلك إلا لعلمهم بأن الصواب فيما سلكوه، والحق فيما أصلوه، فإنهم ينابيع العلم، ومصابيح الدُّجَى، كما قال عبد الله بن مسعود (رض): "من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما، وأقلها تكلفا


١ سورة المائدة آية: ٣.
٢ سورة المائدة آية: ٣.
٣ سورة آل عمران آية: ٨٥.
٤ البخاري: الصلح (٢٦٩٧) , ومسلم: الأقضية (١٧١٨) , وأبو داود: السنة (٤٦٠٦) , وابن ماجه: المقدمة (١٤) , وأحمد (٦/ ١٤٦ ,٦/ ١٨٠ ,٦/ ٢٤٠ ,٦/ ٢٥٦ ,٦/ ٢٧٠).
٥ ابن ماجه: المقدمة (٤٤) , وأحمد (٤/ ١٢٦).
٦ أحمد (٥/ ١٥٣).
٧ سورة الأحزاب آية: ٢١.
٨ سورة التوبة آية: ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>