قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم؛ فإنهم كانوا على الهدي المستقيم".
وقال رضي الله عنه لقوم رآهم قد تحلقوا في مسجد الكوفة، وواحد منهم يقول لهم: سبِّحُوا مائة. فيسبحون جميعا، فإذا فرغوا قال: كبِّرُوا مائة. فإذا فرغوا قال: هلِّلُوا مائة. فجاءهم، فلما رأى صنيعهم قال: "والذي نفسي بيده لقد فضلتم أصحاب مُحَمَّدٍ علما، أو لقد جئتم ببدعة ظلما". قالوا: والله ما جئنا ببدعة ظلما، ولا فضلنا أصحاب مُحَمَّدٍ علما. قال: "بلى، والذي نفس ابن مسعود بيده لقد فضلتم أصحاب محمد علما، أو لقد جئتم ببدعة ظلما".
فانظر -رحمك الله- إلى كلام هذا الإمام الذي هو من سادات الصحابة ونجبائهم وفضلائهم، كيف أخبر وأقسم على ذلك بأن من فعل ما لم يفعله أصحاب محمد فقد جاء ببدعة، نسأل الله أن يرزقنا سلوك طريقهم وسيرتهم وهديهم.
(الوجه الخامس): قوله: "وأما أنه صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للتفسير والتأويل، فإنه لا يكفيك في تكفير المسلمين". فيقال: هذا كذب ظاهر على المجيب، من جنس ما تقدم من كذب هذا المعترض وفجوره، فإن المجيب لم يذكر في كلامه تكفير أحد من المسلمين خالفه في هذه المسألة؛ لأن ذلك مما تنازعت فيه الأمة، حتى إن طوائف من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم يذهبون إلى تأويل آيات الصفات وأحاديثها، وهم من جملة أهل السنة والجماعة، وإن كانوا عند المجيب مخطئين في ذلك؛ لأن مذهبه وعقيدته اتِّباع السلف الصالح في السكوت عنها، وإمرارها كما جاءت، مع نفي الكيفية والتشبيه عنها.
(الوجه السادس): قوله: "مع أنا قد ذكرنا أن قومك قد رووا عنه صلى الله عليه وسلم التفسير والتأويل والتجسيم". وهذا كذب ظاهر؛ فإنه لم يذكر فيما نقل عن أهل السنة شيئا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الصفات، فضلا عن التأويل والتجسيم.