للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخالفة لغة العرب ولزمك التجسيم.

أما مخالفة لغة العرب فلا يجوز لك أن تخالفها وتفسر كتاب الله -جل وعلا- بغيرها؛ لمخالفتك لما أنزل الله فيه، وقد قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ١ وقال تعالى: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ٢ إلى غير ذلك من الآيات.

فهل يجوز لك أن تقول: استوى بلا كيف بعد أن قال مبين، وقال: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ٣؟ ما كأنك إلا قلت: ما تبين لنا ولا عقلناه، فخاطبنا ربنا بما لا نتبينه ولا نعقله، وليس هو من جنس لغة العرب ولو كان عربيا لتبين لنا وعقلناه.

ووجه المخالفة على التحقيق أن كلمات كتاب الله -تعالى- على مقتضى لغة العرب، مبينة مفهومة، فلا بد أن تدل الكلمة على معنى حقيقي أو مجازي على مقتضى استعماله، فنقول لك: قد صرحت بأن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ٤ دلّ على الاستواء على العرش، كما فهمناه من كلامك وخطابك. ولغة العرب حاكمة بأن حقيقة الاستواء على العرش الجلوس عليه، وهو القعود مع تعطف الرجلين ورجوع بعضها على بعض، تعالى الله عن ذلك.

فهذا حقيقته عند العرب، فلما أن خشيت لزوم التجسيم في حق الباري، ولجأت إلى التنْزيه له -تعالى-، فلم تجد مهربا، وتوحشت من هذا الأمر الشنيع؛ لفطرة التعظيم لربك -جل وعلا-، فلم تجد إلى الهرب سبيلا إلا بالبَلْكَفَة التي قد تستر بها مشايخك، فقلت: استوى بلا كيف، واستأنست بذلك الطيف.

فلما ظننت إنك قد حفظت نفسك من التجسيم قلنا لك: هل تقول العرب استوى، أي: جلس جلوسا غير مكيف -بتعطيف الأرجل- ولا مستقر ونحو ذلك، حيث يريدون حقيقة الاستواء والجلوس؟

فإن كان هذا من روايتك عن العرب، وأنهم يطلقون على ما أردت من عدم الكيف ما ذكرناه لك، وهيهات، فلن تستطيع له طلبا.

وإن لم يكن، قلنا لك: يا هذا، قد خالفت القرآن العربي المبين، وفسرته بلسان قومك الذين تستروا بالبَلْكَفَة، ولم يستروا عوراتهم، ولم تخرج عن شبهة


١ سورة الشعراء آية: ١٩٣ - ١٩٤.
٢ سورة الزخرف آية:١: ٣.
٣ سورة الزخرف آية:١: ٣.
٤ سورة طه آية: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>