التجسيم، إذ قد أثبت لله تعالى الاستواء فوق العرش، وأقررت بذلك الحدث واعتقدته له -تعالى-، وهو يستلزم التجسيم عقلا ولغة، فإن العقل -أولا- يحكم بالذات، وبأن هذا الحدث -وهو الاستواء- لا يكون إلا من جسم قبل أن تلتفت إلى كيفيته.
وكذلك اللغة، فإن مفهوم الاستواء الحدث، وقد فسروا الحدث بالأثر أو مؤثره على خلاف بين اللغويين، وقد حكمت على الله ووصفته بالاستواء، وجعلته -تعالى- محلا له كما هو قاعدة الصفة، ولم تقدر أن تخرجه عن الحدث وتجعله غير الحدث بعد أن أقررت بالاستواء الذي هو غير الحدث كما عرفناك، فلزمك أن يكون الله -تعالى- محلا للاستواء، والمحل لا يكون إلا جسما.
إلى قوله: وقد كان له مندوحة عن هذا، وتخلص كما تخلص أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من حملها على المجاز، وإخراجها عن الحقائق، التي أوقعته في المضايق، ولم يسعه بعد ذلك إلا أضغاث أحلام ظن بها أنها أخرجته إلى التنْزيه ولم تفده، فلو أخرجها إلى المجاز المأنوس المألوف في لغة العرب المنادي بفصاحة كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوجه الأكمل والتنْزيه لله -تعالى- على الطريق اللائق بجلاله الأعدل، لكان مناسبا لكمال إعجازه والرد إلى محكمه على وجه أبلغ من الحقيقة، وأسلم من التستر بالبَلْكَفَة التي كشفت ضعف كلامه وسخفه).
[الوجه الأول في الرد على شبهات المعترض]
(فالجواب) أن يُقال: الواو عاطفة، والمعنى نقر بها بألسنتنا ونعلم أنها صفات لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته وكبريائه، وإن رغمت أنوف أهل البدع والضلال.
فقوله:"فما معنى الإقرار بها؟ هل المراد الإقرار بمتونها وكلماتها؟ " فذلك هو مراد المجيب، مع اعتقاد أنها صفات لله -تعالى- لا تشبه صفات المخلوقين. فهذا معنى قول المجيب: ونعلم أنها صفات لله -تبارك وتعالى-، فالواو الأولى عاطفة، والثانية حالية أي نقر بها حال كوننا نعلم أنها صفات لله، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.