وأما دعواك أن تفسير الحي القيوم: الذي لا يزول عن مكانه، ولا يتحرك، فلا يقبل هذا التفسير إلا بأثر صحيح مأثور عن رسول -الله صلى الله عليه وسلم- أو عن بعض أصحابه أو التابعين؛ لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء، ويتحرك إذا شاء، ويهبط ويرتفع إذا شاء، ويقبض ويبسط إذا شاء، ويجلس إذا شاء؛ لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك، فكل حي متحرك لا محالة.
ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ورسول رب العزة إذ فسر نزوله مشروحا منصوصا، ووَقّتَ لنُزوله وقتا مخصوصا، لم يدع لك ولا لأصحابك فيه لبسا.
(قال): ثم أجمل المُعارض جميع ما تنكره الجهمية من صفات الله -تعالى- وذاته المسماة في كتابه، وفي آثار رسوله صلى الله عليه وسلم، فعد منها بضعة وثلاثين صفة نسقا، وأخذ يحكم عليها، ويفسرها بما حكم به المريسي، وفسرها وتأولها حرفا حرفا، معتمدا فيها على تفسير الزائغ الجهمي بشر بن غياث المريسي، متسترا عند الجهال بالتشنيع على قوم يؤمنون بها، ويصدقون الله ورسوله فيها بغير تكييف ولا تمثيل.
فزعم أن هؤلاء مؤمنين بها يكيفونها، ويشبهونها بذوات أنفسهم، وأن العلماء -بزعمه- قالوا: ليس في شيء منها اجتهاد رأي ليدرك كيفية ذلك، أو يشبه شيئا منها بشيء مما هو للخلق موجود. قال: وهنا خطأ، كما أن الله ليس كمثله شيء، فكذلك ليس ككيفيته شيء.
قال أبو سعيد: فقلنا لهذا المعارض المشنع: أما قولك: إن كيفية هذه الصفات، وتشبيهها بما هو في الخلق خطأ. فإنا لا نقول: إنه خطأ كما قلت، بل هو عندنا كفر، ونحن بكيفيتها، وتشبيهها بما هو في الخلق موجود أشد اتقاء منكم، غير أنا كما أنا لا نشبهها ولا نكيفها، ولا نكفر بها ولا نكذب بها، ولا نبطلها بتأويل الضلال كما أبطلها إمامك المريسي في أماكن من كتابك.
وأما ما ذكرت من اجتهاد الرأي في تكييف صفات الله. فإنا لا نجيز اجتهاد الرأي في كثير من الفرائض والأحكام التي نراها بأعيننا، ونسمعها في آذاننا، فكيف في صفات الله التي لم ترها العيون، وقصرت عنها الظنون؟ غير أنا