قال ابن دحية: ولما ذبح الصغيرين، وفقدت أمهما عقلها، كانت تقف بالمواسم تنشد شعرا يبكي العيون، ويهيج بلابل الأحزان والغبون:
ها من أحس بني اللذين هما ... كالدرتين تشظى عنهما الصدف
ها من أحس بني اللذين هما ... سمعي وعقلي فقلبي اليوم مختطف
حدثت بسرا وما صدقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا
أحنى على ودجي ابني مرهفة ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف
[خذلان أهل العراق للحسين ووجود بعض أهل اليمن مع معاوية]
ومعلوم عند من له أدنى معرفة بالأخبار ما جرى من أهل الكوفة مع الحسين بن علي -رضي الله عنهما- حين كاتبوه، وأمروه بالشخوص والقدوم عليهم، ووعدوه أن يبايعوه، فاغتر بهم وبمواعيدهم الكاذبة، وأمانيهم الباطلة، فشخص إليهم بأهله وولده، وكان قد أرسل إليهم قبل ذلك ابن عمه مسلم بن عقيل -رضي الله عنهما-، فلما قرب الحسين منهم خذلوه، وأسلموه للقتل، وقُتِلَ معه اثنان وثمانون رجلا من أصحابه مبارزة، ثم قتل جميع بنيه إلا عليا المسمى بعد ذلك بزين العابدين، كان مريضا فأخذ أسيرا، وقتل أكثر إخوة الحسين وبني أعمامه.
فهؤلاء شيعة أهل البيت الذين أثنى عليهم هذا المعترض، وهم أهل اليمن من همدان وحمير، وقد كان مع معاوية رضي الله عنه جموع كثيرة من حمير وغيرها من قبائل اليمن، منهم: ذو الكلاع الحميري، كان من أشراف أصحاب معاوية وساداتهم وقتل يومئذ، ومن أصحاب معاوية وأمرائه يومئذ كريب بن الصباح الحميري أحد الأبطال، قتل يومئذ جماعة ثم بارزه علي فقتله.