للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات، فحرقوه ثم ذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين. فلما مات فعلوا به كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر الله البحر فجمع ما فيه ثم قال له: لم فعلت هذا؟ قال من خشيتك يا رب، فغفر له"١ وهذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متعددة من رواية جماعة من الصحابة منهم أبو سعيد الخدري وحذيفة وعقبة بن عامر.

فهذا الرجل قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادته بعد فعل ما أمر أهله أن يفعلوه به، وهذا الرجل لما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت فهذا عمل صالح، فغفر الله له بما كان معه من الإيمان بالله واليوم الآخر.

وإنما أخطأ من شدة خوفه، وقد وقع الخطأ الكثير في هذا الخلق من هذه الأمة. واتفقوا على عدم تكفير من أخطأ مثلما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة. وكان شريح القاضي ينكر قراءة من قرأ: "بل عجبت"بالرفع ويقول: أن الله لا يعجب فبلغ إبراهيم النخعي فقال أن شريحا شاعر يعجبه علمه كان عبد الله أفقه منه وكان يقرأ: {بل عجبتُ} فهذا أنكر قراءة ثابتة وأنكر صفة الله التي دل عليها الكتاب والسنة، واتفقت الأمة على أن شريحا إمام من الأئمة.

وكذلك بعض العلماء أنكر حروفا من القرآن كما أنكر بعضهم {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} ٢ فقال: إنما هي (ألم يتبين الذين آمنوا) وهذا الخطأ معفو عنه بالإجماع. وكذلك الخطأ في الفروع العملية فإن المخطئ فيها لا يكفر ولا يفسق بل ولا يؤثم، لأن


١ البخاري: التوحيد (٧٥٠٦) , ومسلم: التوبة (٢٧٥٦) , والنسائي: الجنائز (٢٠٧٩) , وابن ماجه: الزهد (٤٢٥٥) , وأحمد (٢/ ٢٦٩ ,٢/ ٣٠٤) , ومالك: الجنائز (٥٦٨).
٢ سورة الرعد آية: ٣١. V

<<  <  ج: ص:  >  >>