موسى قال: قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال: إنك بأرض الربا فيها فاش، فإن كان لك على رجل حق فأهدى لك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت، فلا تأخذه؛ فإنّه ربا. رواه البخاري في صحيحه.
وروى مثله سعيد بن منصور في سننه عن أبي بن كعب، وروي عن ابن مسعود نحو ذلك.
وعن سالم بن أبي الجعد قال: جاء رجل إلى ابن عبّاس فقال: إنّي أقرضت رجلًا يبيع السّمك عشرين درهمًا فاهدى إلي سمكة فقومتها ثلاثة عشر درهمًا، فقال: خذ منه سبعة دراهم. رواه سعيد في سننه، بإسنادٍ صحيحٍ.
وعن ابن عمر أنّه أتاه رجل فقال: إنّي أقرضت رجلًا بعيرًا فأهدى إليّ جزلة، فقال: ردّ إليه هديته، أو احسبها له. رواه سعيد أيضًا.
فإذا كان هذا فيما يتبرّع به المقترض بعد القرض، فكيف إذا تواطآ على التّبرّع؟! مثل أن يقرض مَن يعيره دراهم أو يرهنها عند مَن يأذن له في سكناها ١، أو يضاربه، بأقلّ من حقّ مثله، أو يبتاع منه الشّيء بأضعاف قيمته أو يكري داره بثلث كرائها، أو يدفع إليه شجره مساقاة بأضعاف جعل مثله. انتهى.
فتأمّل -رحمك الله- هذا الكلام بعين الإنصاف يتبيّن لك أنّ الرّهون التي تفعل عندكم لأجل المال الذي في ذمته فيصبر عليه وينظره ما دام يستغل الشّجر، أو الأرض هو حيلة على أكل الرّهن والانتفاع به لأجل القرض ولو لم يكن في ذمته ذلك المال لم يتركه يستغل أرضه، وربما تركها له بدون قيمة مثلها، فهذا هو المحاباة، وهو الرّبا الذي نصّ العلماء على تحريمه سواء سُمِّي ذلك المال قرضًا أو غيره، أو كان دينًا في ذمته، وكان أهل الجاهلية قبل الإسلام
١ لم يتقّدم في الكلام ذكر شيء يرجع إليه ضمير سكناها كالدّار، فلعلّه سقط من الكلام شيء بسهو النّساخ.