للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحوائج ويبخر لها التبخيرات، ويرى أنها تفيض عليه أو على العالم، وتقضي لهم الحاجات، وتدفع عنهم البليات. ومنهم من لا يرى ذلك ويكفر أهله ويتبرأ منهم، لكنه قد وقع في عبادة الأنبياء والصالحين، فاعتقد أنه يستغاث بهم في الشدائد والملمات، وأنهم هم الواسطة في إجابة الدعوات وتفريج الكربات؛ فتراه يصرف وجهه إليهم، ويسوي بينهم وبين الله في الحب والتعظيم والتوكل والاعتماد والدعاء والاستغاثة والاستعانة، وغير ذلك من أنواع العبادات.

[ما كانت عليه الجاهلية حين مبعث الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-]

وهذا هو دين جاهلية العرب الأولى، كما أن الأول هو دين الصابئة الكنعانيين، وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم {بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ١.

وكانت العرب في وقته وزمن مبعثه معترفين لله بتوحيد الربوبية والأفعال، وكانوا على بقية من دين إبراهيم الخليل -عليه السلام-، قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} ٢. وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} ٣ إلى قوله {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} ٤.

والآيات في المعنى كثيرة، ولكنهم أشركوا في توحيد العبادة والإلهية، فاتخذوا الشفعاء والوسائط من الملائكة والصالحين وغيرهم، وجعلوهم أندادا لله رب العالمين فيما يستحقه عليهم من العبادات، والإرادات كالحب والخضوع والتعظيم والإنابة والخشية، وغير ذلك من أنواع العبادات والطاعات؛ لأجل جاههم عند الله، والتماس شفاعتهم، والاعتقاد والتدبير والتأثير كما ظنه بعض الجاهلين.

قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ٥ الآية، وقال: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ} ٦. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ


١ سورة التوبة آية: ٣٣.
٢ سورة يونس آية: ٣١.
٣ سورة المؤمنون آية: ٨٤.
٤ سورة المؤمنون آية: ٨٩.
٥ سورة يونس آية: ١٨.
٦ سورة الزمر آية: ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>