زُلْفَى} ١ الآية. فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الشرك، وكفر أهله، وجهلهم وسفه أحلامهم، ودعاهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وبين أن مدلولها الالتزام بعبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يعبدون من دون الله.
وهذا هو أصل الدين وقاعدته، ولهذا كانت هذه الكلمة كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، والفارق بين الكافر والمؤمن من الأنام، ولها جردت السيوف وشرع الجهاد، وامتاز الخبيث من طيب العباد، وبها حقنت الدماء وعصمت الأموال.
وقد بلغ الشيطان مراده من أكثر الخلق، وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعه الأكثر، وتركوا ما جاءت به الرسل من دين الله الذي ارتضاه لنفسه، وتلطف الشيطان في التحيل والمكر والمكيدة، حتى أدخل الشرك وعبادة الصالحين وغيرهم على كثير ممن ينتسب إلى دين الإسلام في قالب محبة الصالحين والأنبياء، والتشفع بهم، وأن لهم جاها ومنزلة يشفع بها من دعاهم ولاذ بحماهم.
وأن من أقر لله وحده بالتدبير، واعتقد له بالتأثير والخلق والرزق فهو مسلم، ولو دعا غير الله، واستعاذ بغيره ولاذ بحماه، وأن مجرد شهادة أن لا إله إلا الله تكفي مثل هذا، وإن لم يقارنها علم ولا عمل ينتفع به، وأن الدعاء والاستغاثة والاستعانة والحب والتعظيم ونحو ذلك ليس بعبادة، وإنما العبادة السجود والركوع، ونحو هذه الزخرفة والمكيدة، وهذا بعينه هو الذي تقدمت حكايته عن جاهلية العرب.
[سبب حدوث الشرك في قوم نوح]
وذكر المفسرون وأهل التاريخ من أهل العلم في سبب حدوث الشرك في قوم نوح مثل هذه المكيدة، فإن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا أسماء رجال صالحين في قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن ينصبوا تماثيلهم ويصوروا صورهم؛ ليكون ذلك أشوق إلى العبادة، وأنشط في الطاعة. فلما هلك من فعل هذا أوحى الشيطان إلى من بعدهم أن أسلافهم كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم لذلك. فأصل الشرك هو تعظيم الصالحين بما لم يشرع، والغلو في ذلك.