والتذكير بهذا يدخل فيما امتن الله به على المؤمنين وذكرهموه من بعث الأنبياء والرسل.
ومدار العبادة والتوحيد على ركنين عظيمين هما الحب والتعظيم. وبمشاهدة النعمة يحصل ذلك، ويخبت القلب لطاعة من أنعم بها عليه، وكلما: ازداد العبد علما بذلك، ومعرفة لحقيقة النعمة ومقدارها، ازداد طاعة ومحبة وإنابة وإخباتا وتوكلا، ولذلك يذكر تعالى عباده بنعمه الخاصة والعامة، وآلائه الظاهرة والباطنة، ويحث على التفكر في ذلك والتذكر، وأن يعقل العبد عن ربه، فيقوم بشكره ويؤدي حقه.
ومبنى الشكر على ثلاثة أركان: معرفة النعمة وقدرها، والثناء بها على مسديها، واستعمالها فيما يحب موليها ومعطيها. فمن كملت له هذه الثلاث فقد استكمل الشكر، وكلما نقص العبد منها شيئا فهو نقص في إيمانه وشكره، وقد لا يبقى معه من الشكر ما يعتد به ويثاب عليه.
والمقصود أن الذكرى فيها من المصالح الدينية والشعب الإيمانية ما هو أصل كل فلاح وخير.
وبدأ في هذه الآية بأعظم النعم وأجلها على الإطلاق، وهو جعله الأنبياء فيهم يخبرونهم عن الله بما يحصل لهم به السعادة الكبرى، والمنة الجليلة العظمى، وكل خير حصل في الأرض من ذلك فأصله مأخوذ عن الرسل والأنبياء، إذ هم الأئمة الدعاة الأمناء، وأهل العلم عليهم البلاغ، ونقل ذلك إلى الأمة؛ فإنهم واسطة في إبلاغ العلم ونقله.
[معنى قوله تعالى {وَجَعَلَكُم مُلُوكًا}]
وأما قوله:{وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} ١ فهذه نعمة جليلة يجب شكرها، وتتعين رعايتها؛ فإنها من أفضل النعم وأجلها. والشكر قيد النعمة، إن شكرت قرت، وإن كفرت فرت. ولم تحصل هذه النعمة إلا باتباع الأنبياء وطاعة الرسل، فإن بني إسرائيل إنما صاروا ملوك الأرض بعد فرعون وقومه باتباع موسى، وطاعة الله ورسوله والصبر على ذلك، قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ