للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظهر لنا من جوابكم أن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا جهلا منه بذلك، فلا تكفرونه حتى تقوم عليه الحجة الرسالية، فهل لو قتل من هذا حاله قبل ظهور هذه الدعوة موضوع أم لا؟

فنقول: إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله وعدم من ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة، ولكن نحكم بأنه مسلم، بل نقول: عمله هذا كفر يبيح المال والدم، وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص لعدم قيام الحجة عليه، لا يقال: إن لم يكن كافرا فهو مسلم. بل نقول: عمله عمل الكفار. وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة الرسالية إليه.

وقد ذكر أهل العلم أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات ولم يجعلوا حكمهم حكم الكفار ولا حكم الأبرار. وأما حكم هذا الشخص إذا قتل، ثم أسلم قاتله، فإنا لا نحكم بديته على قاتله إذا أسلم، بل نقول: الإسلام يجب ما قبله؛ لأن القاتل قتله في حال كفره والله أعلم.

وأما كلام أسعد على قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ١ إنه الإيمان اللغوي الشرعي، فهو مصيب في ذلك، وقد ذكر المفسرون أن معنى قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ٢ أن إيمانهم إقرارهم بأن الله هو الخالق الرازق المدبر، ثم إنهم مع هذا الإيمان بتوحيد الربوبية مشركون بالله في العبادة. ومعلوم أن مشركي العرب وغيرهم يؤمنون بالله رب كل شيء ومليكه، وأن بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، ولم تنفعهم هذه الاعتقادات حيث عبدوا مع الله غيره، وأشركوا معه، بل نجد الرجل يؤمن بالله ورسوله وملائكته وكتبه ورسله وما بعد الموت، فإذا فعل نوعا من المكفرات حكم أهل العلم بكفره وقتله، ولم ينفعه ما معه من الإيمان.

وقد ذكر الفقهاء من أهل كل مذهب "باب حكم المرتد" وهو الذي يكفر


١ سورة يوسف آية: ١٠٦.
٢ سورة يوسف آية: ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>