للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

[دعاء غير الله شرك لا كالحلف والطيرة]

وأما قوله الثاني: "إن نظر فيه من حيثية القول فهو كالحلف بغير الله، وقد ورد أنه شرك، وكفر، ثم أوَّلوه بالأصغر. وإن نظر فيه من حيثية الاعتقاد فهو كالطيرة، وهي من الأصغر".

فنقول: هذا كلام باطل، وليس يخفى ما بينهما من الفرق، فأيّ مشابهة بين من وَحَّدَ الله وعبده، ولم يشرك معه أحدا من خلقه، وأنزل حاجاته كلها بالله، واستغاث به في تفريج كُرُبَاته وإغاثة لهفاته، لكنه حلف بغير الله يمينا مجردة لم يقصد بها تعظيمه على ربه، ولم يسأله، ولم يستغث به، وبين من استغاث بغير الله، وسأله جلب الفوائد، وكشف الشدائد، فإن هذا صَرَفَ مُخَّ العبادة -الذي هو لبها وخالصها- لغير الله، وأشرك مع الله غيره في أجلّ العبادات وأفضل القُرُبَات التي أمر الله به في غير موضع من كتابه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو العبادة كما تقدم في حديث النعمان بن بشير: "أن الدعاء هو العبادة"١ وفي حديث أنس: "إن الدعاء مخ العبادة"٢ وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن الله يحب المُلِحِّين فيه" وأن "من لم يسأل الله يغضب عليه"٣ وفي الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم "سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يُسْأَل"٤ وفيه أيضا: "إن الله يحب الملحين في الدعاء" وفيه أيضا: "من لم يسأل الله يغضب عليه"٥ وفي الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس شيء على الله أكرم من الدعاء"٦.

وأما الحلف فلم يأمرنا الله به بل أمرنا بحفظه فقال: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} ٧ قيل: المعنى لا تحلفوا، وقيل: لا تحنثوا، ولا يرد على هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حلف في مواضع، فإن اليمين تستحب إذا كان فيها مصلحة راجحة.

وعلى هذا حمل العلماء ما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو يحلف لمصالح مطلوبة للأمة، كزيادة إيمانهم وطمأنينة قلوبهم، كما أمره الله بذلك في ثلاثة مواضع


١ الترمذي: تفسير القرآن "٢٩٦٩" , وابن ماجه: الدعاء "٣٨٢٨".
٢ الترمذي: الدعوات "٣٣٧١".
٣ الترمذي: الدعوات "٣٣٧٣" , وابن ماجه: الدعاء "٣٨٢٧".
٤ الترمذي: الدعوات "٣٥٧١".
٥ الترمذي: الدعوات "٣٣٧٣" , وابن ماجه: الدعاء "٣٨٢٧".
٦ الترمذي: الدعوات "٣٣٧٠" , وابن ماجه: الدعاء "٣٨٢٩".
٧ سورة المائدة آية: ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>