فنقول -وبالله التوفيق-: اعلم أن الله -سبحانه وتعالى- بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى التوحيد، والنهي عن الشرك، فحَمَى حِمَى التوحيد، وسَدَّ كل طريق يوصل إلى الشرك حتى في الألفاظ، حتى إن رجلا قال له: ما شاء الله وشئت قال: "أجعلتني لله ندا. قل: ما شاء الله وحده"١ فكيف يأمر بدعاء الميت أو الغائب؟.
[دعاء الميت والغائب لم ينقل عن صحابي ولا تابعي]
بل من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن دعاء الميت والغائب: لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا فعله أحد من أئمة المسلمين، ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته، ولا قال أحدٌ: إن الصحابة استغاثوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته، ولو كان هذا جائزا أو مشروعا: لفعلوه، ولو كان خيرا لسبقونا إليه. وقد كان عندهم من قبور أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأمصار عددٌ كثيرٌ، وهم مُتَوَافِرُون، فما منهم مَن استغاث عند قبر صحابي ولا دعاه، ولا استغاث به ولا استنصر به.
ومعلوم أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله؛ بل على نقل ما هو دونه؛ وحينئذ فلا يخلو إما أن يكون دعاء الموتى والغائبين، أو الدعاء عند قبورهم، والتوسل بأصحابها أفضل، أو لا يكون، فإن كان أفضل فكيف خَفِيَ علمًا وعملا على الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ فتكون القرون الثلاثة الفاضلة جاهلة علما وعملا بهذا الفضل العظيم، ويظفر به الخلوف علما وعملا. وهذان الحديثان اللذان أوردهما السائل إما أن يكون الصحابة الذين رَوَوْهُمَا وسمعوهما من النبي صلى الله عليه وسلم جاهليْن بمعناهما، وعلمه هؤلاء المتأخرون، وإما أن يكون الصحابة علموهما علما، وزهدوا فيهما عملا مع حرصهم على الخير وطاعتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم وكلاهما مُحَالٌ، بل هم أعلم الناس بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطوع الناس لأوامره، وأحرص الناس على كل خير، وهم الذين نقلوا إلينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم فهل فهموا من هذه الأحاديث جواز دعاء الموتى والغائبين فضلا عن استحبابه والأمر به؟