ومعلوم أنه قد عرضتْ لهم شدائدُ واضطراراتٌ وفتنٌ وقحطٌ وسنونٌ مجدباتٌ، أفلا جاءوا إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- شاكين وله مخاطبين، وبكشفها عنهم وتفريج كرباتهم داعين.
والمضطرب يَتَشَبَّثُ بكل سبب يعلم أن له فيه نفعا؛ لا سيما الدعاء، فلو كان ذلك وسيلة مشروعة وعملا صالحا: لفعلوه.
فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل القبور حتى توفاه الله، وهذه سنة خلفائه الراشدين، وهذه طريقة جميع الصحابة والتابعين، هل يمكن أحد أن يأتي عنهم بنقل صحيح أو حسن أو ضعيف أنهم كانوا إذا كانت لهم حاجة، أو عرضت لهم شدة قصدوا القبور، فدعوا عندها وتمسحوا بها، فضلا عن أن يسألوها حوائجهم، فمن كان عنده في هذا أثرٌ أو حرف واحد في ذلك فليوقفنا عليه.
نعم يمكنهم أن يأتوا عن الخُلُوف الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤْمَرُونَ، بكثير من المُخْتَلَقَات، والحكايات المكذوبات، حتى لقد صُنِّفَ في ذلك عدّة مصنفات، ليس فيها حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما فيها التَّمْوِيهَات والحكايات المخترعات، والأحاديث المكذوبات. كقولهم: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور، وحديث: لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه. وفيها حكايات لهم عن تلك القبور: أن فلانا استغاث بالقبر الفلاني في شدة فخلص منها، وفلانا دعاه أو دعا به في حاجة فقضيت، وفلانا نزل به ضُرٌّ، فأتى صاحب ذلك القبر: فكشف ضره، ونحو ذلك مما هو مُضَادٌّ لما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من الدين، ومن له معرفة بما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم يعلم أنه حَمَى جانب التوحيد وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك، فكيف يستدل بكلامه على نقيض ما أمر به فيستدل بقوله في حديث الأعمى:"يا محمد" على أنه أمر بدعائه في حال غيبته فيدل على جواز الاستغاثة بالغائب. وكذلك قوله "يا عباد الله احبسوا" يدل على ذلك.