للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوسل بالنبي وما ورد فيه]

قال الشيخ ابن تيمية -رحمه الله-*: أما التوسل إلى الله بغير نبينا صلى الله عليه وسلم فلا نعلم أحدا من السلف فعله، ولا روى فيه أثرا، ولا نعلم فيه إلا ما أفتى ابن عبد السلام من المنع.

وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ففيه حديث في السنن، وهو حديث الأعمى الذي أصيب ببصره، فلأجل هذا الحديث استثنى الشيخ التوسل به، وللناس في معنى الحديث قولان:

"أحدهما" أن هذا التوسل هو الذي ذكره عمر لما استسقى بالعباس فذكر أنهم كانوا يتوسلون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في الاستسقاء، ثم توسلوا بعمه العباس بعد موته، وتوسلهم به هو استسقاؤهم به، بحيث يدعو ويدعون معه، فيكون هو وسيلتهم إلى الله. وهذا لم يفعله الصحابة بعد موته وفي مغيبه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في مثل هذا شافعا لهم داعيا، ولهذا قال في حديث الأعمى: "اللهم فَشَفِّعْهُ فيَّ"١ فعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شفع له فسأل الله أن يُشَفِّعَهُ فيه. "والثاني" أن التوسل به يكون في حياته وبعد وفاته.

انتهى كلام الشيخ -رحمه الله-.

فتبين بهذا أن معنى التوسل إلى الله هو بدعائه وشفاعته في حضوره أو التوسل بذاته، بأن يسأل الله بجاهه. والتوسل غير الاستغاثة، فإنه لم يقل أحد: إن من قال: اللهم إني أسألك بحق فلان أنه استغاث به؛ بل إنما استغاث بمن دعاه، بل العامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بأمور كقول أحدهم: أتوسل إليك بحق الشيخ فلان، أو بحرمته، أو نحو ذلك مما يقولونه في أدعيتهم يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور، فإن المستغيث بالشيء طالبٌ منه سائل له، والمتوسل به لا يُدْعَى، ولا يُسْأَلُ ولا يُطْلَبُ منه، وإنما يطلب به، وكل أحد يُفَرِّقُ بين المدعو والمدعو به، والاستغاثة هي طلب الغوث، وهو إزالة الشدة كالاستنصار: طلب النصر، والاستعانة: طلب العون، فكل أحد يفرق بين المسئول والمسئول به.


* مجموع الفتاوى ١/ ١٠٥ - ١٠٦. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
١ الترمذي: الدعوات "٣٥٧٨" , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها "١٣٨٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>