فضيلة مخصوصة ليست في المساجد. ولو كان الأمر كما زعموا، بل لو كان مباحا لنصب المهاجرون والأنصار هذا القبر علما وَلَمَا أَخْفَوْهُ خشية الفتنة به، بل لدَعَوْا عنده، وبيَّنُوه لمن بعدهم، ولكن كانوا أعلم بالله ورسوله ودينه من هؤلاء الخلوف الذين أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، أو صرفوا لغير الله أجلَّ العبادات.
وما أحسن ما قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "لن يُصْلِح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها"ولكن كلما نقص تمسكهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وهديه وسنة خلفائه الراشدين، تَعَوَّضُوا عن ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك. ومن له خبرةٌ بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند زيارة القبور، وما يُفْعَل بها، وبما يفعل عندها، وبما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم-، ثم وَازن بين هديه صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه وبين ما عليه المتأخرون اليوم، وما يفعلونه عند القبور، تبين له ما بينها من التباين والتضاد، وعلم أن بينهما من الفرق أبعد مما بين المشرق والمغرب كمل قيل:
سَارَتْ مُشَرِّقَة وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ... شَتَّانَ بين مُشَرِّق ومُغَرِّب
[أقوال فقهاء المذاهب في منكرات القبور]
"الوجه الثالث" أن يقال: قوله: إن كثيرا من العلماء فعلوا هذه الأمور، وفُعِلَتْ بحضرتهم فلم ينكروا من ذلك تتابعهم على بناء القباب على القبور.
فيقال: بل قد نهوا عن ذلك، وصرحوا بكراهته والنهي عنه، وهذه كتبهم بأيدينا مُصَرِّحَة بما ذَكَرْنَا، ونحن نَسُوقُ عباراتهم بألفاظها.
فأما كلام الحنابلة فقال في "الإقناع": ويستحب رفع القبر قدر شبر ويكره فوقه، ويكره البناء عليه؛ سواء لاصق البناء الأرض أو لا، ولو في ملكه، من قبة أو غيرها؛ للنهي عن ذلك. وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إغاثة اللهفان: ويجب هدمُ القباب التي على القبور؛ لأنها أُسِّسَتْ على معصية الرسول. انتهى. وهو في المسألة أشد تحريما، قال الشيخ: هو غاصب. وقال أبو حفص: تحرم الحجرة بل تُهْدَم