ومعلوم أن عندهم من قبور الصحابة الذين ماتوا في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته مالا يُحْصَى، هل بنوا على قبورهم وعظَّموها، ودَعَوْا عندها، وتمسحوا بها، فضلا عن أن يسألوها حوائجهم، ويسألوا الله بأصحابها، فمن كان عنده في هذا أثر صحيح أو حسن، فليرشدنا إليه وليدلنا عليه، وأنَّى له بذلك؟ فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور وسنة خلفائه الراشدين.
[العثور على جسد دانيال وكتابه في تستر]
وقد روى خالد بن سنان عن أبي العالية قال: لما فتحنا تَسْتُر ١ وجد في بيت مال الهرمز أن سريرا عليه رجل ميت عند رأسه مصحف، فأخذنا المصحف، فحملناه إلى عمر بن الخطاب، فدعا له كعبا فنسخه بالعربية. فأنا أول رجل من العرب قرأته مثل ما أقرأ القرآن. قال خالد: فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ قال: سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعدُ. قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة، فلما كان بالليل دفناه وساوينا القبور كلها مع الأرض لِنُعَمِّيهِ عن الناس لا ينبشونه. فقلت: وما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عنهم أبرزوا السرير فَيُمْطَرُونَ. فقلت: مَن كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال. فقلت منذ كم وجدتموه مات؟ قال منذ ثلاثمائة سنة، قلت: ما كان تغير منه شيء؟ قال: لا، إلا شعرات من قفاه؛ إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع.
ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار من تعمية قبرة؛ لئلا يَفْتَتِنَ به الناس، ولم يذروه للدعاء عنده والتبرك به، ولو ظفر به هؤلاء المشركون، وعلموا حقيقته لبنوا عليه وعظَّموه وزخرفوا قبره، وأسرجوه، وجعلوه وثنًا يُعْبَد، فإنهم قد اتخذوا من القبور أوثانا مَن لا يُدَانِي هذا ولا يقاربه، بل لعله عدو لله، وأقاموا لها سدنة، وجعلوها معابد، واعتقدوا أن للصلاة عندها والدعاء حولها والتبرك بها