للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

[في مفاسد اتخاذ القبور أعيادا]

واعلم أن في اتخاذ القبور أعيادا من المفاسد العظيمة، التي لا يعلمها إلا الله، ما يغضب لأجله كل مَن في قلبه وقار لله وغيرة على التوحيد، فمن ذلك الصلاة إليها والطواف بها، وتقبيلها واستلامها، وتعفير الخدود على ترابها، والاستغاثة بأصحابها وسؤالهم الرزق والنصر والعافية وقضاء الديون، وتفريج الكُرُبَات وإغاثة اللهفات. وغير ذلك من أنواع الطلبات، التي كان عباد الأصنام يسألونها أوثانهم، وهذا هو عين الشرك الأكبر الذي بعث الله رسوله ينهى عنه ويقاتل أهله، ومن مات عليه كان من أهل النار - عياذا بالله من ذلك.

وكان مبدأ هذا الداء العظيم في قوم نوح؛ لما غلوا في الصالحين، كما أخبر الله عنهم في كتابه حيث قال: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} ١.

قال ابن جرير: وكان من خبر هؤلاء ما حدثناه ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس أن يغوث ويعوق ونسرا كانوا قوما صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم -الذين يقتدون بهم-: لو صوَّرْنَاهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوَّروهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون دَبَّ إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يُسْقَوْنَ المطر فعبدوهم.

وقال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قوما صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكرت له أم سلمة كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فقال: "أولئك إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بَنَوْا على قبره مسجدا، وصوَّرُوا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله"٢ وهذا كان سبب عبادة اللات، فروى


١ سورة نوح آية: ٢٣.
٢ البخاري: الصلاة "٤٣٤" , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة "٥٢٨" , والنسائي: المساجد "٧٠٤" , وأحمد "٦/ ٥١".

<<  <  ج: ص:  >  >>