للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن جرير بإسناده عن منصور عن مجاهد {أَفَرَأَيْتُمُ الَلاتَ وَالْعُزَّى} ١ قال: "كان يَلُتُّ السويق للحاج، فمات فعكفوا على قبره".

وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: "كان يَلُتُّ السويق للحاج".

فقد رأيت أن سبب عبادة يغوث ويعوق ونسرا واللات إنما كان سبب تعظيم قبورهم، اتخذوا لها تماثيل، ثم عبدوها.

[أصل الشرك عبادة الصالحين بتعظيم قبورهم]

قال أبو العباس ابن تيمية -قدَّس الله روحه-: "وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المسجد على القبور، هي التي أوقعت كثيرا من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك، فإن الشرك بغير الرجل الذي يُعْتَقَدُ صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر؛ ولهذا تجد أهل الشرك كثيرا يتضرعون عندها، ويخشونها، ويعبدونها بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله، ولا وقت السحر، ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها ما لا يرجون في المساجد؛ فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها حتى نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس، وإن لم يقصد ما قصده المشركون سدا للذريعة، قال: وأما إن قصد الرجل بالصلاة عند القبر تبرُّكا بالصلاة في تلك البقعة، فهذا عين المحادة لله ورسوله والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله، فإن المسلمين قد أجمعوا على أن الصلاة عند القبور منهي عنها، وأنه لعن من اتخذها مساجد"*.

"فمن أعظم المحدثات، وأسباب الشرك الصلاة عندها، واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها، وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك، والتغليظ فيه، بل نهى عن ذلك في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق ٢ من فعل ذلك من أهل الكتاب ليحذر أمته أن يفعلوا ذلك.

قالت عائشة -رضي الله عنها-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم


١ سورة النجم آية: ١٩.
* "اقتضاء الصراط المستقيم" ٢/ ١٩٢ - ١٩٣. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
٢ أي: وهو يعالج سكرات الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>