"اجتنبوا من كلام الحكيم المشتبهات التي يقال ما هذه، ولا يثنيك ذلك عنه، فإنه لعله يراجع، وتلق الحق إذا سمعته، فإن على الحق نورا".
واعلم -رحمك الله- أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صادق، وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد يكون منه الهفوة والزلة، وهو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن يغمط مكانه وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين.
قال مجاهد والحكم ومالك وغيرهم:"ليس أحد من خلق الله إلا يُؤْخَذُ من قوله ويُتْرَكُ إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -". وقال سليمان التيمي:"إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله".
وقد روى كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة. قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: أخاف عليهم من زلة العالم، وجدال المنافق بالقرآن -والقرآن حق-، وعلى القرآن منار كأعلام الطريق".
ويكفي اللبيب في هذا ما قصَّه الله -سبحانه- في كتابه عن بني إسرائيل مع صلاحهم وعلمهم: أنهم بعد ما فلق الله لهم البحر وأنجاهم من عدوهم أتوا نبيهم قائلين: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ١ وكذلك ما رواه الترمذي وغيره: "أن ناسا من الصحابة في غزوة حنين أتوا عند النبي صلى الله عليه وسلم حين مروا بسدرة للمشركين يعلقون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فقالوا: يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال: الله أكبر، إنها السنن، قلتم -والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى:{اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} لتركبن سنن من كان قبلكم".
فإذا كان هذا قد خفي عليهم مع وضوحه وبيانه، وقبلهم قوم موسى مع