للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ١ قال: لما حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضاء.

[قوله تعالى {لهم ما يشاءون فيها}]

"والدليل الخامس": قوله عز وجل {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} ٢ قال الطبراني: قال علي بن أبي طالب، وأنس بن مالك: هو النظر إلى وجه الله عز وجل.

[قوله تعالى لا تدركه الأبصار]

"والدليل السادس": قوله عز وجل {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} ٣ والاستدلال بهذه الآية عجيب فإنه من أدلة نفاة الرؤية.

وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية وجه الاستدلال بها أحسن تقرير، وقال*: لا يحتج مبطل بآية، أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله. فمنها هذه الآية، وهي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها، فإنه -سبحانه- ذكرها في سياق التمدح، ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية، وأما العدم المحض فليس بكمال، ولا يتمدح به. وإنما يمدح الرب -تعالى- بالعدم إذا تضمن أمرا وجوديا، كتمدحه -سبحانه وتعالى- بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية، ونفي الموت المتضمن كمال الحياة، ونفي اللغوب والإعياء المتضمن كمال القدرة، ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته وإلهيته وقهره، ونفي الأكل والشرب المتضمن كمال صمديته، وغناه عن خلقه، ونفي الظلم المتضمن كمال عدله وعلمه وغنائه، ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته، ونفي المثل المتضمن كمال ذاته وصفاته. ولهذا لم يتمدح بعدم محض لا يتضمن أمرا ثبوتيا، فإن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم، ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه.

فلو كان المراد بقوله: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ٤ أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدحا ولا كمالا لمشاركة المعدوم له في ذلك، فإن العدم الصرف الذي لا يرى، ولا


١ سورة المطففين آية: ١٥.
٢ سورة ق آية: ٣٥.
٣ سورة الأنعام آية: ١٠٣.
* النقل التالي من طريق كتاب "حادي الأرواح" للإمام ابن القيم ص ٢٩٣ - ٢٩٥، ولم أجده فيما وقفت عليه من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
٤ سورة الأنعام آية: ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>