للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونعوت لا يشاركونه فيها، وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات، وبعد عن مشابهة أضرابه، فكيف بالحي القيوم الذي لا مثل له في ذاته وصفاته؟ فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ١ من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته. وقوله: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ٢ من أدل شيء على أنه يرى، ولا يدرك.

[قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة]

"والدليل السابع": قوله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ٣ فأنت إذا أخرجت هذه الآية عن تحريفها عن موضوعها، والكذب على المتكلم بها -سبحانه- فيما أراد منها، وجدتها منادية نداء صريحا أن الله -سبحانه- يُرَى عيانا بالأبصار يوم القيامة، وإن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون: تأويلا، فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه من تأويلها، وتأويل كل نص تضمنه القرآن والسنة كذلك. ولا يشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص، ويحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجد متأول مثل هذه النصوص، وهذا الذي أفسد الدين والدنيا.

وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية، وتعديته بأداة "إلى" الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدى بإلى، خلاف حقيقته وموضوعه -صريح في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى نفس الرب -جل جلاله-. فإن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته، وتعديه بنفسه، فإن عدي بنفسه فمعناه التوقف والانتظار، كقوله: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} ٤ وإن عدي بـ"في" فمعناه التفكر والاعتبار، كقوله: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ٥ وإن عدي بـ"إلى" فمعناه المعاينة بالأبصار، كقوله: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} ٦ فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل النظر؟ وكيف وقد قال صلى الله عليه وسلم في قوله -تعالى-: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} ٧ قال "من البهاء والحسن" {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ٨ قال "في وجه الله عز وجل".


١ سورة الشورى آية: ١١.
٢ سورة الأنعام آية: ١٠٣.
٣ سورة القيامة آية:٢٢، ٢٣.
٤ سورة الحديد آية: ١٣.
٥ سورة الأعراف آية: ١٨٥.
٦ سورة الأنعام آية: ٩٩.
٧ سورة القيامة آية: ٢٢.
٨ سورة القيامة آية: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>