قصدوا ما قصده صاحب الشرع، فأخذوا مخ الفلسفة، فكسوه ثوب الشريعة، وهذا كلفظ الملك والملكوت والجبروت، واللوح المحفوظ، والشيطان، والحدث والقدم، وغير ذلك، وقد ذكرنا من ذلك طرفا في الرد على الاتحادية، لما ذكرنا قول ابن سبعين وابن عربي، وما يوجد في كلام بعض الناس من أصول هؤلاء الفلاسفة والملاحدة الذين حرفوا كلام الله ورسوله عن مواضعه، كما فعلت القرامطة الباطنية. اهـ.
[المراد بالجنس المنفي بكلمة التوحيد]
قلت: وقد ذكر إبراهيم بن سعد الكوراني تحريفهم لمعنى لا إله إلا الله، ذكر أنهم اشترطوا في "لا" النافية للجنس في هذه الكلمة شرط الوحدة؛ فجعلوا الجنس المنفي واحدًا، لا يوجد إلا ذهنا.
وردّ -رحمه الله- هذا القول بأن قال:"أما أولا": فالمراد بالجنس المأخوذ بلا شرط، وهو الصالح للصدق على الأفراد، يعني المنفية بلا إله إلا الله فهي صادقة بنفي كل فرد مما كان يعبد من دون الله.
قال:"وأما ثانيا": فإن الكلام يخرج عن إفادة التوحيد بالكلية؛ لأن حاصله حينئذ: هذا الجنس المأخوذ بشرط الوحدة الذهنية المغايرة لله -تعالى- منتف، وليس هذا من التوحيد في شيء، ولا شم من رائحة الدلالة عليه.
"ويقال: ثالثا": إن أريد أن هذا الجنس منتف في الذهن فهو قطعي البطلان، إذ كل من ينطق بهذا التوحيد مستحضر لمعناه، وقد تحقق هذا الجنس في ذهنه، فكيف يصح نفيه؟ وعلى كل حال فلا يصح تفسيرا لهذه الكلمة؛ لأن المراد من لا إله إلا الله هو الدلالة على توحيد الإلهية، وهذا معلوم بالضرورة، وعلى تفسيرهم يكون بينهم وبين الدلالة على التوحيد بُعْد المشرقين. اهـ.
فذكر رحمه الله تعالى حقيقة قول هؤلاء الملاحدة، وأنهم حملوا معنى كلمة الإخلاص على معنى بعيد من معناها الذي وضعت له شرعًا ولغة، وفطرة وعقلا، وأنهم أبطلوا دلالتها على التوحيد الذي يفهمه منها كل أحد من علماء المنقول والمعقول.
وهذا القول الذي أبطله -رحمه الله- وبيّن بُعْده عن التوحيد، هو بعينه قول هذا الرجل الذي يقول: إنه من بخارى، فموّه على الجهلة بما يوقعهم في الإلحاد، ويبعدهم