عن التوحيد الذي دعت إليه الرسل، فهذه بلية عظيمة، وقى الله المسلمين شرها.
[تفسير ابن القيم والرازي لكلمة التوحيد]
وأما التوحيد الذي بعث الله به رسله، فنذكر من كلام العلامة ابن القيم -رحمه الله- ما يدل عليه؛ لأنه هو وشيخه من أحسن من عبر عن معنى هذه الكلمة على مقتضى ما دل عليه القرآن والسنة، قال -رحمه الله-*:
"نظير هذا اشتمال كلمة الإسلام، وهي شهادة أن لا إله إلا الله على النفي والإثبات، فكان في الإتيان بالنفي في صدر هذه الكلمة من تقرير الإثبات، وتحقيق معنى الإلهية، وتجريد التوحيد الذي يقصد بنفي الإلهية عن كل ما ادعيت فيه سوى الإله الحق -تبارك وتعالى-، فتجريد هذا التوحيد من القلب واللسان بتصور إثبات الإلهية لغير الله، كما قال أعداؤه المشركون، ونفيه وإبطاله من القلب واللسان، من تمام التوحيد وكماله وتقريره، وظهور أعلامه، ووضوح شواهده، وصدق براهينه".
وقال الفخر الرازي في معنى لا إله إلا الله: التحقيق أن المضمر المرفوع بلا راجع بالحقيقة إلى نفي الأعيان التي سموها آلهة، من حيث إنها آلهة لا إلى وجودها في حد ذاتها ضرورة أنها موجودة في الخارج، بالفعل محسوسة. وحاصله نفي كل فرد إله من تلك الحيثية غير الله، راجع إلى نفي الألوهية عن كل موجود غير الله. انتهى.
"قلت": وحقيقتها إبطال إلهية كل ما يؤله من الأعيان بأي نوع كان من أنواع العبادة؛ كأصنام قوم نوح، والأمم بعدهم، ولما فتح الله مكة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أزال كل ما فيها من صنم، وهي ثلاثمائة وستون صنما، وبعث علي بن أبي طالب إلى مناة فهدمها، وبعث خالد بن الوليد إلى العزى فهدمها، وقطع الشجرة، ولما أسلمت ثقيف بعث المغيرة فهدم اللات -كما تقدم-.
فأبطلت هذه الكلمة عبادة كل ما عبد من دون الله، أو يعبد من جميع الأعيان.
ولو تتبعنا ما في القرآن من بيان معنى هذه الكلمة، وما قاله العلماء في معناها لاحتمل جزءًا، وفي الإشارة إلى ذلك كفاية لمن رغب في معرفة التوحيد الذي دلت عليه الآيات المحكمات، وقد غلط في مسماه طوائف لا يحصيهم إلا الله -تعالى-، والحمد لله على تمييز الحق من الباطل، لا نحصي ثناء عليه، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.