والمشهور في المذهب أنّ الواجب أحد شيئين: إما القتل أو الدّية، والخيرة في ذلك إلى الولي إن شاء اقتصّ، وإن شاء أخذ الدّية، وإن شاء قتل البعض إذا كان القاتلون جماعة؛ لأنّ كلّ مَن له قتله فله العفو عنه، كالمنفرد، ولا يسقط القصاص عن البعض بعفو عن البعض؛ لأنّهما شخصان فلا يسقط القصاص عن أحدهما بإسقاطه عن الآخر، فمتى اختار الأولياء أخذ الدّية من القاتل أو من بعض القتلة، كان لهم هذا من غير رضا الجاني. وبه قال سعيد بن المسيب، وابن سيرين، وعطاء، ومجاهد، والشّافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وهي رواية عن مالك لقوله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان}، [البقرة، من الآية: ١٧٨].
قال ابن عبّاس: كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدّية، فأنزل الله هذه الآية:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}، [البقرة، من الآية: ١٧٨]. انتهى.
والعفو أن يقبل في العمد الدّية فاتّباع بالمعروف يتّبع بمعروف، ويؤدّي إليه المطلوب بإحسان، ذلك تخفيف من رّبكم ورحمة مما كتب على بني إسرائيل. رواه البخاري.
وروى أبو هريرة قال: قام فينا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال:"مَن قتل له قتيل فهو بخير النّظرين: إمّا أن يؤدى، وإمّا أن يقاد". متّفق عليه.
وروى أبو شريح أنّ النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال:"ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل، وأنا والله عاقله، فمَن قتل بعده قتيلًا فأهله بين خيرتين: إن أحبّوا قتلوا، وإن أحبّوا أخذوا الدّية". رواه أبو داود وغيره.
فإذا قلنا موجبه القصاص، فله العفو إلى الدّية، والعفو مطلقًا فإذا عفا مطلقًا لم يجب شيء. وهذا ظاهر مذهب الشّافعي، وقال بعضهم: تجب الدّية لئلا يبطل الدّم. وليس بشيء؛ فإنّه لو عفا عن الدّية بعد وجوبها صحّ عفو ومتى عفا عن القصاص مطلقًا إلى غير مالٍ لم يجب شيء إذا